والأمر والنهي والخبر ليست أنواعا له ينقسم الكلام إليها، وإنما كلها صفات له إضافية، كما يوصف الشخص الواحد بأنه ابن لزيد وعم لعمرو، وخال لبكر.
والقائلون بهذا القول منهم من يقول : إنه معنى واحد في الأزل، وأنه في الأزل أمر ونهي وخبر، كما يقوله الأشعري.
ومنهم من قال : بل يصير أمرًا ونهيًا عند وجود المأمور والمنهي.
ومنهم من يقول : هو عدة معان، الأمر والنهي، والخبر، والاستخبار.
وقد ألزم الناس أصحاب هذا القول أن يجعلوا العلم والقدرة والإرادة والحياة شيئًا واحدًا، فاعترف محققوهم بصحة الإلزام.
وجمهور العقلاء ـ من أهل السنة وأهل البدعة ـ يقولون : إن فساد هذا القول معلوم بالضرورة، كما يقولون : إن فساد قول من يقول : إن الأصوات المسموعة من العباد قديمة معلوم بالضرورة كما يقولون إن فساد قول من يقول : إن المتكلم يكون متكلمًا بكلام يقوم بغيره، وأن العالم يكون عالمًا بعلم يقوم بغيره، والقادر يكون قادرًا بقدرة تقوم بغيره، معلوم بالضرورة.
وكما يقول جمهور العقلاء : إن فساد قول من يقول : إن العلم هو القدرة، والقدرة هي الإرادة، وأن العلم هو العالم، والقدرة هي القادر، معلوم بالضرورة.
القول الرابع : قول طوائف من أهل الكلام والحديث من السالمية وغيرهم يقولون : إن كلام الله حروف وأصوات قديمة أزلية، ولها مع ذلك معان تقوم بذات المتكلم، وهؤلاء يوافقون الأشعرية والكلابية في أن تكليم الله لعباده ليس إلا مجرد خلق إدراك للمتكلم، ليس هو أمرًا منفصلا عن المستمع.