ثم إن جمهور هؤلاء لا يقولون : إن تلك الأصوات هي المسموعة من القارئين، بل يفرقون بين هذا وهذا. ومنهم طائفة وهم أهل... /يقولون : إن الصوت القديم يسمع من القارئ. ثم قد يقولون تارة : إن القديم نفس الصوت المسموع من القارئ، وتارة يقولون : إنه يسمع من القارئ صوتين، قديمًا ومحدثًا. وكثير منهم ـ أو أكثرهم ـ لا يقولون بحلول القديم في المحدث، بل يقولون : ظهر فيه كما يظهر الوجه في المرآة.
ومنهم من يقول بحلول القديم في المحدث، وليس هذا القول ولا الأقوال قبله قول أحد من سلف الأمة ولا أئمتها، ولم يقل ذلك لا الإمام أحمد، ولا أئمة أصحابه، ولا غيره من الأئمة، بل هم متفقون على الإنكار على من قال : إن لفظي بالقرآن غير مخلوق، فكيف بمن قال : صوتي غير مخلوق ؟ فكيف بمن قال : صوتي قديم ؟ !
وأما القول بأن المداد الذي في المصحف قديم، فهذا ما رأيناه في كتاب أحد من طوائف الإسلام، ولا نقله أحد عن رجل معروف من العلماء أنه سمعه منه، ولكن طائفة يسكتون عن التكلم في المداد بنفي أو إثبات، ويقولون : لا نقول : إنه قديم، ولكن نسكت سدًا للذريعة. وقد حكاه طائفة عمن سموهم الحشوية القول بقدم المداد، وقالوا : إنهم يقولون : إن المداد الذي في المصحف قديم، وأنه لما كان في المحبرة كان محدثا، فلما صار في الورق صار قديما.
ورأينا طوائف يكذبون هؤلاء في النقل، وكأن حقيقة الأمر أن أولئك يقولون قول غيرهم بمجرد ما بلغهم من إطلاق قولهم، أو لما ظنوه لازما لهم، أو لما سمعوه ممن يجازف في النقل ولا يحرره، وربما سمعوه من بعض عوامهم إن كان ذلك قد وقع.
وهذا الباب وقع فيه غلط بهذا السبب، حتى غلط الناس على من يعظمونه؛ وبهذا السبب غلط أبا طالب الإمام أحمد فيما نقله عنه، فإنه قرأ عليه :﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾


الصفحة التالية
Icon