هذا مع أن السلطان الذي أيد الله به رسوله من أنواع الحجج المعجزات، وأنواع القدر الباهرات، أعظم مما أيد به غيره، ونبوته هي التي طبق نورها مشارق الأرض ومغاربها، وبه ثبتت نبوات من تَقَدَّمَه، وتبين الحق من الباطل، وإلا فلولا رسالته لكان الناس في ظلمات بعضها فوق بعض، وأمر مَرِيج [ أي : مختلط ]، يؤفك عنه من أفك؛ الكتابيون منهم والأميون؛ ولهذا لما كان ما يقال له إلا ما قد قيل للرسل من قبله، أمره الله ـ سبحانه ـ باستشهاد أهل الكتاب على مثل ما جاء به.
وهذا من بعض حكمة إقرارهم بالجزية، كقوله تعالى :﴿ فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ ﴾ [ يونس : ٩٤ ]، وقوله :﴿ كَفي بِاللّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ﴾ [ الرعد : ٤٣ ]، وقوله :﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [ النحل : ٤٣، ٤٤ ]، وفي الآية الأخرى :﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَّا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ ﴾ الآية [ الأنبياء : ٧، ٨ ]، ومثل قوله :﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَكَفَرْتُم بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [ الأحقاف : ١٠ ].


الصفحة التالية
Icon