وجماع شبه هؤلاء الكفار : أنهم قاسوا الرسول على من فرق الله بينه وبينه، وكفروا بفضل الله الذي اختص به رسله، فأتوا من / جهة القياس الفاسد. ولابد في القياس من قدر مشترك بين المشبه والمشبه به؛ مثل جنس الوحي والتنزيل؛ فإن الشياطين ينزلون على أوليائهم ويوحون إليهم، كقوله ﴿ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ﴾ [ الأنعام : ١٢١ ]، وقال سبحانه :﴿ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ ﴾ [ الشعراء : ٢٢١ ـ ٢٢٣ ].
وقال ـ تعالى ـ في الـ ﴿ طس ﴾ وقد افتتح كلا منهن بقصة موسى وتكليم الله إياه، وإرساله إلى فرعون، فإنها أعظم القصص كما قدمناه، فقال في سورة الشعراء المحتوية على قصص المرسلين واحدًا بعد واحد، وهي سبع؛قصة موسى، وإبراهيم، ونوح، وهود، وصالح، ولوط، وشعيب، ثم قال عن القرآن :﴿ وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ﴾ [ الشعراء : ١٩٢، ١٩٣ ] إلى قوله :﴿ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ ﴾ [ الشعراء : ٢٢٦ ] فذكر الفرق بينه وبين من تنزل عليه الشياطين من الكهان والمتنبئين ونحوهم، وبين الشعراء؛ لأن الكاهن قد يخبر بغيب بكلام مسجوع، والشاعرـ أيضًا ـ يأتي بكلام منظوم يحرك به النفوس؛ فإن قرين الشيطان مادته من الشيطان، ويعين الشيطان بكذبه وفجوره، والشاعر مادته من نفسه، وربما أعانه الشيطان.
فأخبر أن الشياطين إنما تنزل على من يناسبها، وهو الكاذب في قوله، الفاجر في عمله، بخلاف الصادق البر، وأن الشعراء إنما يحركون / النفوس إلى أهوائها فيتبعهم الغاوون، وهم الذين يتبعون الأهواء، وشهوات الغي، فنفي كلا منهما بانتفاء لازمه، وبين ما يجتمع فيه شياطين الإنس والجن.


الصفحة التالية
Icon