القول السادس : قول الجمهور وأهل الحديث وأئمتهم : إن الله ـ تعالى ـ لم يزل متكلما إذا شاء، وأنه يتكلم بصوت، كما جاءت به الآثار، والقرآن وغيره من الكتب الإلهية. كلام الله تكلم الله به بمشيئته وقدرته، ليس ببائن عنه مخلوقًا. ولا يقولون : إنه صار متكلمًا بعد أن لم يكن متكلمًا، ولا أن كلام الله ـ تعالى ـ من حيث هو هو حادث، بل ما زال متكلمًا إذا شاء، وإن كان كلم موسى وناداه بمشيئته وقدرته، فكلامه لا ينفد، كما قال تعالى :﴿ قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا ﴾ [ الكهف : ١٠٩ ].
ويقولون : ما جاءت به النصوص النبوية الصحيحة، ودلت عليه العقول الزكية الصريحة، فلا ينفون عن الله ـ تعالى ـ صفات الكمال ـ سبحانه وتعالى ـ فيجعلونه كالجمادات التي لا تتكلم، ولا تسمع ولا تبصر، فلا تكلم عابديها، ولا تهديهم سبيلا، ولا ترجع إليهم قولاً ولا تملك لهم ضرًا ولا نفعًا.
ومن جعل كلام الله لا يقوم إلا بغير الله كان المتصف به هو ذلك الغير، فتكون الشجرة هي القائلة لموسى :﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ ﴾ [ طه : ١٤ ] ؛ ولهذا اشتد نكير السلف على من قال ذلك، وقالوا : هذا نظير قول فرعون :﴿ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾ [ النازعات : ٢٤ ] أي : هذا كلام قائم بغير الله؛ ولهذا صرح بحقيقة ذلك الاتحادية- كابن عربي ونحوه ـ الذين يقولون :
وكل كلام في الوجود كلامه ** سواء علينا نثره ونظامه