وأهل هذا القول ـ الموافقون للسلف والأئمة ـ لا يقولون : إن الرب كان مسلوبا صفات الكمال في الأزل، وأنه كان عاجزًا عن الكلام حتى حدث له قدرة عليه، كالطفل. والذين يقولون : إن القرآن مخلوق يجعلون الكلام لغيره، فيسلبونه صفات الكمال، ويقولون : إنه لا يقدر على الكلام في الأزل، لا على كلام مخلوق ولا غيره. وهم إن لم يصرحوا بالعجز عن الكلام في الأزل فهو لازم لقولهم. والكرامية فروا من الأول، وجعلوه متكلما بكلام يقوم به، لكن لم يجعلوه متكلما في الأزل، بل ولا قادرًا على الكلام في الحقيقة في الأزل.
والكلابية ـ ومن وافقهم من السالمية ونحوهم ـ وصفوه بالكلام في الأزل، وقالوا : إنه موصوف به أزلا وأبدًا، لكن لم يجعلوه قادرًا على الكلام، ولا متكلما بمشيئته واختياره، ولا يقدر أن يحدث شيئًا / يكون به مكلما لغيره، لكن يخلق لغيره إدراكًا بما لم يزل، كما يزيل العمى عن الأعمى الذي لا يرى الشمس التي كانت ظاهرة متجلية، لا أن الشمس في نفسها تجلت وظهرت، وهذا يقوله كثير من هؤلاء في رؤيته : إنها ليست إلا مجرد خلق الإدراك، ليس هناك حجب منفصلة عن الرأى، فلا يكشف حجابا، ولا يرفع حجابًا.