وأما قول القائل :[ حشوية ]، فهذا اللفظ ليس له مسمى معروف لا في الشرع، ولا في اللغة، ولا في العرف العام، ولكن يذكر أن أول من تكلم بهذا اللفظ عمرو بن عبيد. وقال : كان عبد الله بن عمر حشوىا، وأصل ذلك : أن كل طائفة قالت قولا تخالف به الجمهور والعامة ينسب إلى أنه قول الحشوية، أي الذين هم حشو في الناس ليسوا من المتأهلين عندهم، فالمعتزلة تسمى من أثبت القدر حشويًا، والجهمية يسمون مثبتة الصفات حشوية، والقرامطة ـ كأتباع الحاكم ـ يسمون من أوجب الصلاة والزكاة والصيام والحج حشويا.
وهذا كما أن الرافضة يسمون قول أهل السنة والجماعة قول الجمهور، وكذلك الفلاسفة تسمى ذلك قول الجمهور، فقول الجمهور وقول العامة من جنس واحد.
فإن كان قائل ذلك يعتقد أن الخاصة لا تقوله، وإنما تقوله العامة والجمهور، فأضافه إليهم وسماهم حشوية، والطائفة تضاف تارة إلى الرجل الذي هو رأس مقالتها، كما يقال : الجهمية، والأباضية، والأزارقة، والكلابية، والأشعرية، والكرامية، / ويقال في أئمة المذاهب : مالكية، وحنفية، وشافعية، وحنبلية، وتارة تضاف إلى قولها وعملها، كما يقال : الروافض، والخوارج، والقدرية، والمعتزلة، ونحو ذلك، ولفظة الحشوية لا ينبني لا عن هذا ولا عن هذا.
وأما قوله :[ وقوم ذهبوا إلى أنه حادث بالصوت والحرف- وهم الجهمية ] فهو كلام من لا يعرف مقالات الناس؛ فإن الجهمية يقولون : إن الله لا يتكلم، وليس له كلام، وإنما خلق شيئًا فعبر عنه، ومنهم من قال : إنه يتكلم بكلام يخلقه في غيره، وهو قول المعتزلة.
وأما الكرامية فتقول : إن القرآن كلام الله غير مخلوق، وهو متكلم به بحرف وصوت. ويقولون مع ذلك : إنه حادث قائم به، وهم ليسوا من الجهمية، بل يردون عليهم أعظم الرد، وهم أعظم مباينة لهم من الأشعرية. ويقولون مع ذلك : إن القرآن حادث في ذات الله.