ثم من هؤلاء من يقول : إن كلام الله كله حادث ومنهم من لا يقول ذلك، وهذا القول معروف عن أبي معاذ التومني، وزهير البابي، وداود بن علي الأصبهاني، بل والبخاري صاحب الصحيح وغيره، وطوائف كثيرة يذكر عنهم هذا، فليس كل من قال : إنه حادث كان من الجهمية، ولا يقول : إنه مخلوق.
وأما قوله :[ وقوم نحوا إلى أنه قديم لا بصوت ولا حرف، إلا معنى قائم بذات الله ـ وهم الأشعرية ] فهذا صحيح، ولكن هذا القول أول من قاله في الإسلام عبد الله ابن كلاب؛ فإن السلف والأئمة كانوا يثبتون لله ـ تعالى ـ ما يقوم به من الصفات، والأفعال، المتعلقة بمشيئته وقدرته. والجهمية تنكر هذا وهذا، فوافق ابن كلاب السلف على القول بقيام الصفات القديمة، وأنكر أن يقوم به شيء يتعلق بمشيئته وقدرته.
وجاء أبو الحسن الأشعري بعده ـ وكان تلميذًا لأبى علي الجبائي المعتزلي ثم إنه رجع عن مقالة المعتزلة، وبين تناقضهم في مواضع كثيرة، وبالغ في مخالفتهم في مسائل القدر، والإيمان، والوعد والوعيد، حتى نسبوه بذلك إلى قول المرجئة، والجبرية والواقفة ـ وسلك في الصفات طريقة ابن كلاب. وهذا القول في القرآن هو قول ابن كلاب في الأصل، وهو قول من اتبعه كالأشعري وغيره.
وقوله :[ فمن قال : إن الحرف والصوت الملفوظ بهما عين الكلام القديم فلأهل الحق فيه رأيان : رأي بتكفيره، ورأي بتبديعه ]، إلى قوله :[ وليعلم أن الحرف اللساني والحرف البناني كلاهما مقيد بزمام تصرفه ].
فيقال : أما القول بأن المداد المكتوب قديم فما علمنا قائلا معروفا قال به، وما رأينا ذلك في كتاب أحد من المصنفين، لامن أصحاب أبي حنيفة، ولا مالك، ولا الشافعي ولا أحمد، بل رأينا في كتب طائفة من المصنفين من أصحاب مالك، والشافعي، وأحمد، إنكار القول بأن المداد قديم، وتكذيب من نقل ذلك، وفي كلام بعضهم مايدل على أن في المصحف حرفا قديمًا ليس هو المداد.


الصفحة التالية
Icon