ثم منهم من يقول : هو ظاهر فيه، ليس بحال، ومنهم من يقول هو حال. وفي كلام بعضهم ما يقتضي أن يكون ذلك هو الشكل؛ شكل الحرف وصورته، لا مادته التي هي مداده، وهذا القول ـ أيضًا ـ باطل، كما أن القول بأن شيئا من أصوات الآدميين قديم هو قول باطل، وهو قول قاله طائفة من أصحاب مالك، والشافعي، وأحمد، وجمهور هؤلاء ينكرون هذا القول. وكلام الإمام أحمد وجمهور أصحابه في إنكار هذا القول كثير مشهور.
ولا ريب أن من قال : إن أصوات العباد قديمة فهو مفتر مبتدع، له حكم أمثاله، كما أن من قال : إن هذا القرآن ليس هو كلام الله فهو مفتر مبتدع، له حكم أمثاله.
ومن قال : إن القرآن العربي ليس هو كلام الله، بل بعضه كلام / الله وبعضه ليس كلام الله فهو مفتر مبتدع، له حكم أمثاله. ومن قال : إن معنى آية الكرسي، وآية الدين، و ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ و ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴾ معنى واحد فهو مفتر مبتدع، له حكم أمثاله.
وأما التكفير، فالصواب أنه من اجتهد من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وقصد الحق، فأخطأ لم يكفر، بل يغفر له خطؤه. ومن تبين له ما جاء به الرسول، فشاق الرسول من بعد ما تبين له الهدى، واتبع غير سبيل المؤمنين، فهو كافر. ومن اتبع هواه، وقصر في طلب الحق، وتكلم بلا علم، فهو عاص مذنب، ثم قد يكون فاسقًا، وقد تكون له حسنات ترجح على سيئاته.
فالتكفير يختلف بحسب اختلاف حال الشخص، فليس كل مخطئ ولا مبتدع، ولا جاهل ولا ضال، يكون كافرًا، بل ولا فاسقًا، بل ولاعاصيا، لا سيما في مثل [ مسألة القرآن ]، وقد غلط فيها خلق من أئمة الطوائف، المعروفين عند الناس بالعلم والدين.
وغالبهم يقصد وجها من الحق فيتبعه، ويعزب عن وجه آخر لا يحققه، فيبقى عارفًا ببعض الحق جاهلا ببعضه، بل منكرًا له.