وأما نحن إذا سلكنا طريق سلف الأمة وأئمتها، فنقول لهؤلاء الفلاسفة : بل خلق الله السموات والأرض في ستة أيام، كما أخبرت به الرسل، فحدثت بأسباب حدثت قبل ذلك، وإذا قلنا : إنه لم يزل متكلما إذا شاء ـ و ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [ يس : ٨٢ ] كان ما يحدث حادثًا بما شاء أن يتكلم به من كلامه، لا سيما إذا قيل بنظير ذلك في إرادته ـ سبحانه وتعالى ـ وأمكننا أن نجيب الفلاسفة بجواب آخر، مركب عنا وعنكم.
فنقول لهم : وجود حوادث لا أول لها ممكن أو ممتنع ؟
فإن قلتم : ممتنع، لزمكم القول بحدوث العالم، وأمكن ـ حينئذ ـ صحة قول الكرامية ونحوهم.
وإن قلتم : هو ممكن. قيل : فممكن ـ حينئذ ـ أن يكون هذا العالم حدث بسبب حادث قبله. وكذلك السبب الآخر لا إلى غاية، والكلام على هذه الأمور مبسوط في غير هذا الموضع.
والمقصود هنا التنبيه على أن هذه مقامات دقيقة، مشكلة، / بسببها افترقت الأمة واختلفت، فإذا اجتهد الرجل في متابعة الرسول، والتصديق بما جاء به، وأخطأ في المواضع الدقيقة التي تشتبه على أذكياء المؤمنين، غفر الله له خطاياه؛ تحقيقًا لقوله :﴿ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ﴾ [ البقرة : ٢٨٦ ] وقد ثبت في الصحيح أن الله قال :( قد فعلتُ ).
وأما قول القائل :[ ومن قال : كلام الله منزه عن سمات الحدوث إذ الصوت والحرف لازمهما الحدوث، فكما لذاته التنزيه عن سمات الخلق كذلك لقوله الحق ] فيقال له :