وقول القائل : كما لذاته التنزيه عن سمات الخلق، فكذلك لقوله الحق. فهذا من جنس سجع الكهان، الذي لا يقيم حقًا ولا يبطل باطلا، فهل تقول : إن كل ما وصف به الرب من الصفات يتصف به كل ما له من الكلمات، أو غيرها من الصفات ؟ وإذا قيل : إن الرب تعالى إله قادر، خالق معبود، فهل يجب أن يكون شيء من كلماته وصفاته إلهًا قادرًا، خالقًا، معبودًا ؟ وهذا القول يضاهي قول النصارى، الذين قالوا : كما أن أقنوم الوجود إله، فكذلك أقنوم الكلمة والروح، فيثبتون للصفات الإلهية، التي أثبتوها للذات.
والرب ـ تعالى ـ له كلام قائم بمحل لا يوجد بغيره، إذ لابد للكلام من محل لا يوجد الكلام بدونه، فهل يجب أن يفتقر الرب إلى محل يقوم به، كما يفتقر الكلام إلى ذلك ؟ ولكن يجب تنزيه كلامه عن كل نقص وعيب؛ إذ هو المستحق للكمال في ذاته، وصفاته، وأفعاله، ويمتنع أن يخلو عن صفات الكمال من الحياة، والعلم، والقدرة، والكلام، وغير ذلك من صفات الكمال، مع أنه يتصف بها بعض مخلوقاته، فالموصوف الواجب الوجود القديم الأزلي أحق بصفات الكمال من المخلوقات، وكل كمال ثبت لمخلوق فمن الخالق استفاده، والخالق أوهبه إياه، وأعطاه فواهب الكمال، ومعطيه أحق به وأولى.
وهذا مما يعبر عنه كل قوم باصطلاحهم، حتى تقول المتفلسفة :/ كل كمال ثبت للمعلول فهو من كمال العلة. ومعلوم أن المخلوق الذي خلق من قبل، ولم يك شيئًا ليس له من نفسه شيء أصلا، بل كل ما له فمن خالقه ـ سبحانه وتعالى.


الصفحة التالية
Icon