وأما قوله : ولتعلم أن الحرف اللساني والحرف البناني كلاهما مقيد بزمان، يصرفه المولى متكلم قبل الزمان، فتعالى كلامه عن أن تكتنفه الحدثان، فقد عرف منازعة المنازعين له في هذا، ولم يذكر إلا مجرد الدعوى، وقد علم أن تصور الدعوى معلوم الفساد بالضرورة عند أكثر العقلاء، وأن الدليل عليها مقدمات ينازعه فيها جمهور العقلاء، وآخرها ينتهي إلى مقدمات تلقوها عن شيوخهم المعتزلة؛ فإن الكلابية والأشعرية إنما أخذوا مقدمات هذا الكلام، ومادته منهم. وقد عرف حالهم في ذلك.
وقوله : المولى متكلم قبل الزمان، إن أراد أنه ـ سبحانه وتعالى ـ قبل السموات والأرض، والليل والنهار، وقبل جميع المخلوقات، فهذا حق، لكن من أين له أن كل ما كلم به عباده، ويكلمهم به يوم القيامة، يجب أن يكون قبل جميع المخلوقات ؟ ومن أين له أنه قبل خلق العالم كان مناديًا لموسى، قائلا له :﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾ [ طه : ١٤ ].
وإن أراد أنه ـ سبحانه وتعالى ـ قبل ما يوصف بالقبل فهذا ممتنع، فإنه ـ سبحانه ـ موصوف بأنه الأول قبل كل شيء، وإن أراد بذلك أن الزمان مقدار الفعل والحركة، وأن ذلك ممتنع في الأزل، فقد عرف أن أئمة الملل والنحل ينازعونه في هذا، مع اتفاق أهل الملل على أن الله خالق السموات والأرض في ستة أيام، وقوله : إن الحرف والصوت أداتان يعبر بهما عن المعنى القائم بذات الله، كما يعبر الإنسان عما قام به من الطلب؛ تارة بالبنان، وتارة باللسان، وتارة بالرأس عند طلب الرواح، وعند طلب الإتيان ـ فهذا مذهب الحق، ومركب الصدق.
فيقال له : هذا عليه اعتراضات :