أحدها : أن يقال : ما ذلك المعنى القائم بالذات ؟ أهو واحد كما يقوله الأشعري، وهو عنده مدلول التوراة، والإنجيل، والقرآن ومدلول آية الكرسي والدَّيْن، ومدلول سورة الإخلاص وسورة الكوثر ؟ أم هو معان متعددة ؟ فإن قال بالأول، كان فساده معلومًا بالاضطرار. ثم يقال : التصديق فرع التصور، و نحن لا نتصور هذا، فبين لنا معناه، ثم تكلم على إثباته، فإن قال : هو نظير المعاني الموجودة فينا كان هذا الكلام بعد النزول عما يحتمله من التشبيه والتمثيل باطلا؛ لأن الذي فينا معان متعددة متنوعة، وإما معنى واحد هو أمر بكل مأمور به، وخبر عن كل مخبر عنه، فهذا غير متصور.
الثاني : أن يقال : هب أنه متصور. فما الدليل على ثبوته ؟ وما الدليل على قدمه ؟.
الثالث : أن يقال : قولك : الصوت والحرف عبارة عنه، أتعنى به الأصوات المسموعة من القراء، أو الحروف الموجودة في التلاوة والمصاحف، وإما حروفًا وأصواتًا غير هذه ؟ فإن قلت بالأول، كان باطلا من وجوه :
أحدها : أنه كل من أجاد القراءة عبر عما في نفس الله، من غير أن يكون الله عبر عما في نفسه، فيكون المخلوق أقدر من الخالق.
الثاني : أن كثيرًا من القراء ـ أو أكثرهم ـ لا يفقهون أكثر معاني القرآن، والتعبير عما في نفس المعبر فرع على معرفته، فمن لم يفهم جميع معاني القرآن ـ كلام الله ـ فكيف يعبر عن تلك المعاني ؟ !
الثالث : أن الناس لا يفهمون معاني القرآن، إلا بدلالة ألفاظ القرآن على معانيه، فإذا سمعوا ألفاظه وتدبروه كان اللفظ لهم دليلا على المعاني، والمستدل باللفظ على المعنى الذي أراده المتكلم يمتنع أن يكون هو المعبر باللفظ عن المعنى؛ فإن المعبر باللفظ عن المعنى يعرف المعنى أولا، / ثم يدل غيره عليه بالعبارة، والناس في القرآن على ضد هذه الحال، فيمتنع أن يكونوا هم المعبرين به.