الرابع : أن كل واحد منهم يعلم أنه تعلم القرآن العربي من غيره، وأنه ليس له فيه إلا الحفظ، والتبليغ، والأداء، بل يعلم أنه إذا حفظ خطب الخطباء، وشعر الشعراء، لم يكن هو المعبر عما في أنفسهم بذلك الكلام، بل يكون الكلام كلامهم، وهو قد حفظه، وأداه، وبلغه. فكيف بكلام رب العالمين ؟ !
الخامس : أن كل واحد يعلم بالاضطرار أن نفس القرآن العربي كان موجودًا قبل وجود كل القراء. وأن الناس إنما تلقوه عن محمد ﷺ وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا.
و بالجملة، فالدلالة على فساد هذا القول أكثر من أن تحصر.
وإن قلت : بل الحروف والأصوات المعبر بها عن المعاني التي أرادها الله من حروف وأصوات كانت موجودة قبل وجود القراء، ولكن كل من القراء حفظ ذلك النظم العربي، الذي كان موجودًا قبله، قيل لك : فحينئذ قد كان ثَمَّ حروف وأصوات غير هذه الأصوات المسموعة من القراء، وغير المداد المكتوب في المصاحف، وهذا هو / الحق الذي اتفق عليه جميع الخلق.
فقول القائل : إنه ما ثم إلا المعنى القائم بالذات، أو هذه الحروف والأصوات ليس بحق، ويقال له حينئذ : فتلك الحروف والأصوات أهي من كلام الله الذي تكلم به ؟ أم هي مخلوقة خلقها في غيره ؟ فإن قلت : هي من كلام الله ـ تعالى ـ لزمك ما فررت منه، حيث أقررت أن لله كلامًا هو حروف وأصوات، كما يقوله جمهور المسلمين. وإن قلت : ليست كلامًا لله، فهذه أولى من أن تكون كلامًا لله. وحينئذ فلا يكون هذا القرآن كلام الله، وهذا مما يعلم بطلانه بالضرورة من دين الإسلام.