فالناس يقرؤون القرآن، وليس هو كلامهم، ولكنه كلام يقرؤونه بأفعالهم وأصواتهم، وإذا كان كلام النبي ﷺ وكلام غيره إذا رواه الناس عنه، وبلغوه وقرؤوه، فهو كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وغيره من المتكلمين بذلك الكلام، والنبي / ﷺ تكلم بلفظه، ونظمه، ومعناه، وتكلم به بحروف وأصوات، مع أن أصوات الرواة ليست صوت النبي صلى الله عليه وسلم، فالقرآن إذا قرأه الناس وبلغوه بأصواتهم وأفعالهم، كان أولى بأن يكون كلام الله، وإن كانوا لم يسمعوه من الله، بل من الخلق.
ومما ينبغي أن يعلم : أن قول الله ورسوله والمؤمنين : أن هذا كلام الله، بل قول الناس لما بلغ من كلام المخلوقين أن هذا كلام فلان حق، كما اتفق على ذلك الناس، لكن عرضت شبهة لكثير من المتنطعين، فلم يفرقوا بين ما إذا سمع كلام المتكلم به، وبين ما إذا سمع من غيره، فظنوا أنه إذا قال :﴿ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ﴾ [ التوبة : ٦ ] كان بمنزلة سماع موسى كلام الله.
فقالت طائفة : المسموع أصوات العباد، وكلام الله ليس هو أصوات العباد، فلا يكون المسموع كلام الله.
وقالت طائفة : بل هذا كلام الله، وهذا مخلوق، فكلام الله مخلوق.
وقالت طائفة : بل هذا كلام الله، وكلام الله غير مخلوق، فهذا غير مخلوق.
وهذا إذا أطلقوه [ مجملاً ] فهو حق، لكن قال بعضهم : هذا لفظي أو تلاوتي أو صوتي؛ فلفظي أو تلاوتي أو صوتي غير مخلوق، فضلوا كما ضل غيرهم، ولو اهتدوا لعلموا أنا إذا قلنا : هذا كلام الله، فلم نشر إليه بما امتاز قارئ عن قارئ، إذا كان من المعلوم أنه ما يسمع من كل قارئ فهو كلام الله، مع العلم بأن صوت هذا القارئ ليس هو صوت هذا القارئ، فقد اتحد من جهة كونه كلام الله، واختلف من جهة أصوات القراء، وهو كلام الله باعتبار الحقيقة المتحدة، لا باعتبار ما اختلف فيه أحوال القراء.