ثم اختلفوا، هل تتأول أو تفوض ؟ على قولين أو طريقين، فأول قولي أبي المعالي هو تأويلها، كما ذكر ذلك في [ الإرشاد ] وآخر قوليه تحريم التأويل ذكر ذلك في [ الرسالة النظامية ]، واستدل بإجماع السلف على أن التأويل ليس بسائغ ولا واجب.
وأما الأشعري نفسه وأئمة أصحابه، فلم يختلف قولهم في إثبات الصفات الخبرية، وفي الرد على من يتأولها، كمن يقول : استوى بمعنى استولى. وهذا مذكور في كتبه كلها، كـ [ الموجز الكبير ] و [ المقالات الصغيرة، والكبيرة ]، و [ الإبانة ] وغير ذلك. وهكذا نقل سائر الناس عنه، حتى المتأخرون، كالرازي والآمدي ينقلون عنه إثبات الصفات الخبرية، ولا يحكون عنه في ذلك قولين.
فمن قال : إن الأشعري كان ينفيها، وإن له في تأويلها قولين، فقد افترى عليه، ولكن هذا فعل طائفة من متأخري أصحابه، كأبي المعالي ونحوه؛ فإن هؤلاء أدخلوا في مذهبه أشياء من أصول المعتزلة.
والأشعري ابتلى بطائفتين؛ طائفة تبغضه، و طائفة تحبه، كل منهما يكذب عليه ويقول : إنما صنف هذه الكتب تَقِيَّةً، وإظهارا لموافقة أهل الحديث والسنة، من الحنبلية وغيرهم. وهذا كذب على الرجل؛ فإنه لم يوجد له قول باطن يخالف الأقوال التي أظهرها، ولا نقل أحد من خواص أصحابه، ولا غيرهم عنه ما يناقض هذه الأقوال الموجودة في مصنفاته؛ فدعوى المدعى أنه كان يبطن خلاف ما يظهر دعوى مردودة شرعًا وعقلاً، بل من تدبر كلامه في هذا الباب ـ في مواضع ـ تبين له قطعًا أنه كان ينصر ما أظهره، ولكن الذين يحبونه ويخالفونه في إثبات الصفات الخبرية يقصدون نفي ذلك عنه، لئلا يقال : إنهم خالفوه، مع كون ما ذهبوا إليه من السنة، قد اقتدوا فيه بحجته التي على ذكرها يعولون، وعليها يعتمدون.


الصفحة التالية
Icon