والقول بأن [ اللفظ غير مخلوق ] نسب إلى محمد بن يحيى الذهلي وأبي حاتم الرازي، بل وبعض الناس ينسبه إلى أبي زُرْعَة أيضًا، ويقول : إنه هو وأبو حاتم هجرا البخاري لما هجره محمد بن يحيى الذهلي، والقصة في ذلك مشهورة.
وبعد موت أحمد وقع بين بعض أصحابه وبعضهم، وبين طوائف من غيرهم بهذا السبب، وكان أهل الثَّغْر مع محمد بن داود، والمِصِّيصي شيخ أبي داود، يقولون بهذا. فلما ولى صالح بن أحمد قضاء الثغر : طلب منه أبو بكر المروزي أن يظهر لأهل الثغر [ مسألة أبي طالب ] فإنه قد شهدها صالح وعبد الله أبناء أحمد، والمروزي، وفوران، وغيرهم. وصنف المروزي كتابًا في الإنكار على من قال : إن لفظي بالقرآن غير مخلوق، وأرسل في ذلك إلى العلماء بمكة والمدينة، والكوفة والبصرة، وخراسان وغيرهم؛ فوافقوه، وقد ذكر ذلك أبو بكر الخلال في [ كتاب السنة ] وبسط القول في ذلك.
ومع هذا فطوائف من المنتسبين إلى السنة، وإلى أتباع أحمد، كأبي عبد الله بن مَنْدَه، وأبن نصر السِّجْزي، وأبي إسماعيل الأنصاري / وأبي العلاء الهمداني وغيرهم يقولون : لفظنا بالقرآن غير مخلوق. ويقولون : إن هذا قول أحمد، ويكذِّبون ـ أو منهم من يكذب ـ برواية أبي طالب، ويقولون : إنها مفتعلة عليه، أو يقولون : رجع عن ذلك، كما ذكر ذلك أبو نصر السجزي، في كتابه [ الإبانة ] المشهور.
وليس الأمر كما قاله هؤلاء؛ فإن أعلم الناس بأحمد وأخص الناس وأصدق الناس في النقل عنه، هم الذين رووا ذلك عنه، ولكن أهل خراسان لم يكن لهم من العلم بأقوال أحمد ما لأهل العراق، الذين هم أخص به. وأعظم ما وقعت فتنة [ اللفظ ] بخراسان، وتُعُصِّب فيها على البخاري ـ مع جلالته وإمامته ـ وإن كان الذين قاموا عليه أيضًا أئمة أجلاء، فالبخاري ـ رضي الله عنه ـ من أجل الناس.


الصفحة التالية
Icon