وإذا حسن قصدهم، واجتهد هو وهم، أثابه الله وإياهم على حسن القصد والاجتهاد، وإن كان قد وقع منه أو منهم بعض الغلط والخطأ فالله يغفر لهم كلهم، لكن من الجهال من لا يدري كيف وقعت الأمور، حتى رأيت بخط بعض الشيوخ الذين لهم علم ودين، يقول : مات البخاري بقرية خَرْتَنْك، فأرسل أحمد إلى أهل القرية يأمرهم ألا يصلوا عليه لأجل قوله في [ مسألة اللفظ ]، وهذا من أبين الكذب على أحمد والبخاري، وكاذبه جاهل بحالهما. فإن البخاري ـ رضي الله عنه ـ توفى سنة ست وخمسين، بعد موت أحمد بخمس عشرة / سنة، فإن أحمد توفى سنة إحدى وأربعين، وكان أحمد مكرما للبخاري معظما، وأما تعظيم البخاري وأمثاله لأحمد فهذا أظهر من أن يذكر.
والبخاري ذكر في كتابه في [ خلق الأفعال ] أن كلتا الطائفتين لا تفهم كلام أحمد. ومن الطائفة الأخرى المنتسبة إلى السنة، وأتباع أحمد؛ أبو نعيم الأصبهاني، وأبو بكر البيهقي، وغيرهما ممن يقول : إنهم متبعون لأحمد، وأن قولهم في [ مسألة اللفظ ] موافق لقول أحمد. ووقع بين ابن منده وأبي نعيم بسبب ذلك مشاجرة، حتى صنف أبو نعيم كتابه في [ الرد على الحروفية الحلولية ]، وصنف أبو عبد الله كتابه في الرد على [ اللفظية ].
والمنتصرون للسنة ـ من أهل الكلام والفقه؛ كالأشعري، والقاضي أبي بكر بن الطيب، والقاضي أبي يعلى وغيرهم ـ يوافقون أحمد على الإنكار على الطائفتين، على من يقول : لفظي بالقرآن مخلوق، وعلى من يقول : لفظي بالقرآن غير مخلوق، ولكن يجعلون سبب الكراهة كون القرآن لا يلفظ؛ لأن اللفظ الطرح والرمي.


الصفحة التالية
Icon