وقد يراد بالتلاوة والقرآن واللفظ نفس القرآن، الذي أنزله الله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، الذي هو كلام الله. ومن قال : إن كلام الله الذي أنزله على نبيه مخلوق فهو جهمي؛ ولهذا قال أحمد وغيره من السلف : القرآن كلام الله حيث تصرف غير مخلوق، ولم يقل أحد من السلف والأئمة : إن أصوات العباد بالقرآن غير مخلوقة أو قديمة، ولا قال ـ أيضًا ـ أحد منهم : إن المداد الذي يكتب به القرآن قديم، أو غير مخلوق. فمن قال : إن شيئًا من أصوات العباد، أو أفعالهم أو حركاتهم، أو مدادهم قديم، أو غير مخلوق، فهو مبتدع ضال، مخالف لإجماع السلف والأئمة.
وقد بدع أحمد بن حنبل من هو أحسن حالا من هؤلاء، وأمر بهجرهم إن لم يرجعوا عن بدعتهم.
و [ مسألة القرآن ] قد كثر فيها اضطراب الناس، حتى قال بعضهم : مسألة الكلام حيرت عقول الأنام، وغالبهم يقصدون وجها من / الحق، ويعزب عنهم وجه آخر، وكلام الأئمة من أشد الكلام، كأحمد بن حنبل ومن قبله من أئمة المسلمين، من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وسائر الأئمة الذين لهم في الأمة لسان صدق؛ مثل سعيد بن المسيَّب، وعلى بن الحسين، وعلقمة، والأسود، والحسن البصري، وابن سيرين، وغيرهم من التابعين، ومثل مالك، والثوري، والأوزاعي، والليث بن سعد، وحماد بن زيد، وحماد بن سلمة، وأبي حنيفة، وابن أبي ليلى، وشريك، وأمثالهم من تابعي التابعين، ومثل الشافعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن إبراهيم، وأبي عبيد، وأمثالهم من أتباع تابعي التابعين.
وهم أئمة أهل القرون الثلاثة، الذين دخلوا في ثناء النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث قال :( خير القرون القَرْن الذي بعثت فيهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم ).
ومن تدبر كلام أئمة المسلمين في هذا الباب وغيرهم وجده أشد الكلام المطابق لصريح المعقول، وصحيح المنقول.