وأيضًا، فإذا كان موجبا بالذات كان اختصاص حدوث أجسام العالم بذلك الوقت دون ما قبله وما بعده يفتقر إلى مخصص، والموجب بذاته لا يصدر عنه ما يختص بوقت دون وقت؛ إذ لو جاز ذلك لم يكن موجبا بذاته؛ ولجاز حدوث العالم عنه؛ ولأن النفوس التي تثبتها الفلاسفة هي عند جمهورهم عرض قائم بجسم الفلك؛ فيمتنع وجودها به بدون الفلك، وعند ابن سينا وطائفة أنها جوهر قائم بنفسه، لكنها متعلقة بالجسم تعلق التدبير والتصريف. وحينئذ، فلو وجدت ولا تعلق لها بالجسم لم تكن نفسًا، بل كانت عقلا، فعلم أن وجود النفس مستلزم لوجود الجسم.
فإذا قال هؤلاء : إن النفس أزلية دون الأجسام كان هذا القول / باطلا بصريح العقل، مع أنه لم يعرف به قائل من العقلاء قبل هؤلاء. وإنما ألجأ هؤلاء إلى هذا ظنهم صحة دليل المتكلمين على حدوث الأجسام وصحة قول الفلاسفة بوجود موجود وممكن غير الأجسام، وإثبات الموجب بالذات، فلما بنوا قولهم على الأصل الفاسد لهؤلاء ولهؤلاء لزم هذا، مع أنهم متناقضون في الجمع بين هذين؛ فإن عمدة المتكلمين على إبطال حوادث لا أول لها.
وعمدة الفلاسفة على أن المؤثرية من لوازم الواجب بنفسه، فإذا قالوا بقدم نفس لها تصورات وإرادات لا تتناهى، لزم جواز حوادث لا تتناهى، فبطل أصل قول المتكلمين الذي بنوا عليه حدوث الأجسام، فكان ـ حينئذ ـ موافقتهم المتكلمين بلا حجة عقلية، فعلم أنهم جمعوا بين المتناقضين.