ولهذا أخبر الله عنه بمثل حال المتفلسفة في قوله :﴿ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ ﴾ [ المدثر : ١٨-٢٥ ].
ثم إن هؤلاء فيما تقوله الأنبياء حيارى متهوكون؛ فإنه بَهَرَهُمْ نور النبوة، ولم تقع على أصولهم الفاسدة، فصاروا على أنحاء؛ منهم من لا يؤمن بكثير مما تقوله الأنبياء والمرسلون، بل يعرض عنه أو يشك فيه أو يكذب به، ومنهم من يقول : يجوز الكذب لمصلحة راجحة، والأنبياء فعلوا ذلك، ومنهم من يقول : يجوز هذا لصالح العامة دون الخاصة، وأمثلهم من يقول : بل هذه تخيلات وأمثلة مضروبة لتقريب الحقائق إلى قلوب العامة، وهذه طريقة الفارابي، وابن سينا، لكن ابن سينا أقرب إلي الإيمان من بعض الوجوه، وإن لم يكن مؤمنًا.
فمن أدركته رسالة محمد ﷺ وبهرته براهينها وأنوارها ورأى ما فيها من أصناف العلوم النافعة، والأعمال الصالحة ـ حتى قال ابن سينا : اتفق فلاسفة العالم على أنه لم يطرق العالم ناموس أفضل من هذا الناموس ـ فلابد أن يتأول نصوص الكتاب والسنة على عادة إخوانه في تحريف الكلم عن مواضعه، فيحرفون ما أخبرت به الرسل عن كلام الله، تحريفًا يصيرون به كفارًا ببعض تأويل الكتاب في بعض صفات تنزيله.
فلما رأوا أن الرسل سَمَّتْ هذا الكلام كلام الله، وأخبرت أنه نزلت به ملائكة الله، مثل الروح الأمين جبريل ـ أطلقت هذه / العبارة في الظاهر، وكفرت بمعناها في الباطن، وردوها إلى أصلهم أصل الصابئين، وصاروا منافقين في المسلمين وفي غيرهم من أهل الملل.


الصفحة التالية
Icon