فيقولون : هذا القرآن كلام الله، وهذا الذي جاءت به الرسل كلام الله، ولكن المعنى : أنه فاض على نفس النبي ﷺ من العقل الفَعَّال، وربما قالوا : إن العقل هو جبريل، الذي ليس على الغيب بضنين، أي بخيل؛ لأنه فياض. ويقولون : إن الله كلم موسى من سماء عقله، وإن أهل الرياضة والصفا يصلون إلى أن يسمعوا ما سمعه موسى كما سمعه موسى.
وقد ضل بكلامه كثير من المشهورين، مثل أبي حامد الغزالي، ذكر هذا المعنى في بعض كتبه، وصنفوا [ رسائل إخوان الصفا ] وغيرها، وجمعوا فيها على زعمهم بين مقالات الصابئة المتأخرين التي هي الفلسفة المبتدعة، وبين ما جاءت به الرسل عن الله، فأتوا بما زعموا أنه معقول ولا دليل على كثير منه، وربما ذكروا أنه منقول. وفيه من الكذب والتحريف أمر عظيم، وإنما يضلون به كثيرًا بما فيه من الأمور الطبيعية. والرياضية، التي لا تعلق لها بأمر النبوات والرسالة لا بنفي ولا بإثبات، ولكن ينتفع بها في مصالح الدنيا؛ كالصناعات من الحراثة والحياكة، والبناية والخياطة ونحو ذلك.
فإذا عرف أن حقيقة قول هؤلاء المشركية الصابئة، أن القرآن قول البشر كغيره، لكنه أفضل من غيره، كما أن بعض البشر أفضل من بعض، وأنه فاض على نفس النبي ﷺ من المحل الأعلى كما تفيض سائر العلوم والمعارف على نفوس أهلها، فاعلم أن هذا القول كثر في كثير من المتأخرين المظهرين للإسلام، وهم منافقون وزنادقة، وإن ادعوا كمال المعارف من المتفلسفة والمتكلمة، والمتصوفة والمتفقهين، حتى يقول أحدهم ـ كالتلمساني ـ : كلامنا يوصل إلى الله والقرآن يوصل إلى الجنة، وقد يقول بعضهم ـ كابن عربي ـ : إن الولي يأخذ من حيث ما يأخذ الملك الذي يوحى إلى النبي ﷺ. ويقول كثير منهم : إن القرآن للعامة، وكلامنا للخاصة.


الصفحة التالية
Icon