وسئل ـ قدس الله روحه ـ عن بيان ما يجب على الإنسان أن يعتقده، ويصير به مسلمًا، بأوضح عبارة وأبينها، من أن ما في المصاحف هل هو كلام الله القديم ؟ أم هو عبارة عنه لا نفسه، وأنه حادث أو قديم، وأن كلام الله حرف وصوت ؟ أم كلامه صفة قائمة به لا تفارقه ؟ وأن قوله تعالى :﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ [ طه : ٥ ] حقيقة أم لا ؟ وأن الإنسان إذا أجرى القرآن على ظاهره من غير أن يتأول شيئًا منه، ويقول : أومن به كما أنزل، هل يكفيه ذلك في الاعتقاد أم يجب عليه التأويل ؟
فأجاب :
الذي يجب على الإنسان اعتقاده في ذلك وغيره ما دل عليه كتاب الله، وسنة رسوله ﷺ صلى الله عليه وسلم، واتفق عليه سلف المؤمنين، الذين أثنى الله ـ تعالى ـ عليهم وعلى من اتبعهم، وذم من اتبع غير سبيلهم، وهو أن القرآن الذي أنزله الله على عبده ورسوله كلام الله ـ تعالى ـ وأنه منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود. وأنه قرآن كريم ﴿ فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ﴾ [ الواقعة : ٧٨، ٧٩ ]، وأنه / ﴿ بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ﴾ [ البروج : ٢١، ٢٢ ]، وأنه كما قال تعالى :﴿ وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ﴾ [ الزخرف : ٤ ]، وأنه في الصدور، كما قال النبي ﷺ :( استذكروا القرآن، فَلَهُوَ أشد تَفصِّيًا من صدور الرجال من النَّعَم في عُقلها )، وقال النبي ﷺ :( الجوف الذي ليس فيه شيء من القرآن كالبيت الخرب )، وأن ما بين لوحي المصحف الذي كتبته الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ كلام الله، كما قال النبي ﷺ :( لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو؛ مخافة أن تناله أيديهم ).
فهذه الجملة تكفي المسلم في هذا الباب.
وأما تفصيل ما وقع في ذلك من النزاع : فكثير منه يكون كلا الإطلاقين خطأ، ويكون الحق في التفصيل، ومنه ما يكون مع كل من المتنازعين نوع من الحق، ويكون كل منهما ينكر حق صاحبه.