والتفصيل المختصر أن نقول : من اعتقد أن المداد الذي في المصحف وأصوات العباد قديمة أزلية فهو ضال مخطئ، مخالف للكتاب والسنة، وإجماع السابقين الأولين، وسائر علماء الإسلام، ولم يقل أحد قط من /علماء المسلمين : إن ذلك قديم، لا من أصحاب الإمام أحمد ولا من غيرهم، ومن نقل قدم ذلك عن أحد من علماء أصحاب الإمام أحمد ونحوهم فهو مخطئ في هذا النقل، أو متعمد للكذب، بل المنصوص عن الإمام أحمد وعامة أصحابه تبديع من قال : لفظي بالقرآن غير مخلوق، كما جهَّموا من قال : اللفظ بالقرآن مخلوق.
وقد صنف أبو بكر المروزي ـ أخص أصحاب الإمام أحمد به ـ في ذلك رسالة كبيرة مبسوطة، ونقلها عنه أبو بكر الخلال في [ كتاب السنة ] الذي جمع فيه كلام الإمام أحمد وغيره من أئمة السنة في أبواب الاعتقاد، وكان بعض أهل الحديث إذ ذاك أطلق القول بأن لفظي بالقرآن غير مخلوق معارضة لمن قال : لفظي بالقرآن مخلوق، فبلغ ذلك الإمام أحمد، فأنكر ذلك إنكارًا شديدًا، وبدع من قال ذلك، وأخبر أن أحدًا من العلماء لم يقل ذلك، فكيف بمن يزعم أن صوت العبد قديم ! وأقبح من ذلك من يحكي عن بعض العلماء أن المداد الذي في المصحف قديم، وجميع أئمة أصحاب الإمام أحمد وغيرهم أنكروا ذلك، وما علمت أن عالمًا يقول ذلك إلا ما يبلغنا عن بعض الجهال؛ من الأكراد ونحوهم.
وقد ميز الله في كتابه بين الكلام والمداد، فقال تعالى :﴿ قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا ﴾ [ الكهف : ١٠٩ ] فهذا خطأ من هذا الجانب، وكذلك من زعم أن القرآن محفوظ في الصدور، كما أن الله معلوم بالقلوب، وأنه متلو بالألسن، كما أن الله مذكور بالألسن، وأنه مكتوب في المصحف، كما أن الله مكتوب.


الصفحة التالية
Icon