والصواب الذي عليه سلف الأمة ـ كالإمام أحمد والبخاري صاحب الصحيح، في [ كتاب خلق أفعال العباد ] وغيره، وسائر الأئمة قبلهم وبعدهم ـ اتباع النصوص الثابتة، وإجماع سلف الأمة، وهو /أن القرآن جميعه كلام الله، حروفه ومعانيه، ليس شيء من ذلك كلامًا لغيره، ولكن أنزله على رسوله، وليس القرآن اسمًا لمجرد المعنى، ولا لمجرد الحرف، بل لمجموعهما، وكذلك سائر الكلام ليس هو الحروف فقط؛ ولا المعاني فقط. كما أن الإنسان المتكلم الناطق ليس هو مجرد الروح، ولا مجرد الجسد، بل مجموعهما. وأن الله ـ تعالى ـ يتكلم بصوت، كما جاءت به الأحاديث الصحاح، وليس ذلك كأصوات العباد، لا صوت القارئ ولا غيره. وأن الله ليس كمثله شيء، لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، فكما لا يشبه علمه وقدرته وحياته علم المخلوق وقدرته وحياته، فكذلك لا تشبه كلامه كلام المخلوق، ولا معانيه تشبه معانيه، ولا حروفه تشبه حروفه، ولا صوت الرب يشبه صوت العبد، فمن شبه الله بخلقه فقد ألحد في أسمائه وآياته، ومن جحد ما وصف به نفسه فقد ألحد في أسمائه وآياته.
وقد كتبت في الجواب المبسوط المستوفى مراتب مذاهب أهل الأرض في ذلك، وأن المتفلسفة تزعم أن كلام الله ليس له وجود إلا في نفوس الأنبياء، تفيض عليهم المعاني من العقل الفعال، فيصير في نفوسهم حروفًا، كما أن ملائكة الله عندهم ما يحدث في نفوس الأنبياء من الصور النورانية، وهذا من جنس قول فيلسوف قريش الوليد بن المغيرة :﴿ { إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ ﴾ [ المدثر : ٢٥ ]، فحقيقة قولهم أن القرآن تصنيف /الرسول الكريم، لكنه كلام شريف صادر عن نفس صافية.