وطائفة من أهل الكلام ـ منهم أبو الحسن الأشعري ومن اتبعه من أصحاب مالك والشافعي وأحمد ـ جعلوا النزول والإتيان والمجيء حدثًا يحدثه منفصلا عنه، فذاك هو إتيانه واستواؤه على العرش، فقالوا : استواؤه فعل يفعله في العرش يصير به مستويا عليه من غير فعل /يقوم بالرب، لكن أكثر الناس خالفوهم، وقالوا : المعروف أنه لا يجيء شيء من الصفات والأعراض إلا بمجيء شيء، فإذا قالوا : جاء البرد أو جاء الحر، فقد جاء الهواء الذي يحمل الحر والبرد، وهو عين قائمة بنفسها، وإذا قالوا : جاءت الحمى، فالحمى حر أو برد تقوم بعين قائمة بسبب أخلاط تتحرك وتتحول من حال إلى حال، فيحدث الحر والبرد بذلك، وهذا بخلاف العَرض الذي يحدث بلا تحول من حامل، مثل لون الفاكهة؛ فإنه لا يقال في هذا : جاءت الحمرة والصفرة والخضرة، بل يقال : أحمر وأصفر وأخضر. وإذا كان كذلك فإنزاله ـ تعالى ـ العدل والسكينة، والنعاس والأمانة ـ وهذه صفات تقوم بالعباد ـ إنما تكون إذا أفضى بها إليهم، فالأعيان القائمة توصف بالنزول، كما توصف الملائكة بالنزول بالوحي والقرآن، فإذا نزل بها الملائكة قيل : إنها نزلت.
وكذلك لو نزل غير الملائكة، كالهواء الذي نزل بالأسباب، فيحدث الله منه البخار الذي يكون منه النعاس، فكان قد أنزل النعاس ـ سبحانه ـ بإنزال ما يحمله.
وقد ذكر ـ سبحانه ـ إنزال الحديد، والحديد يخلق في المعادن.
وما يذكر عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن آدم ـ عليه السلام ـ /نزل من الجنة ومعه خمسة أشياء من حديد؛ السندان والكلبتان والمنقعة، والمطرقة، والإبرة، فهو كذب لا يثبت مثله.


الصفحة التالية
Icon