وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ } [ النحل : ٩٨ ـ ١٠٣ ].
كان بعض المشركين يزعم أن النبي ﷺ تعلمه من بعض الأعاجم الذين بمكة، إما عبد ابن الحضرمي وإما غيره، كما ذكر ذلك المفسرون، فقال تعالى :﴿ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ ﴾ أي : يضيفون إليه التعليم لسان ﴿ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ ﴾ فكيف يتصور أن يعمله أعجمي وهذا الكلام عربي ؟ وقد أخبر أنه نزله روح القدس من ربك بالحق، فهذا بيان أن هذا القرآن العربي الذي تعلمه من غيره لم يكن هو المحدث لحروفه ونظمه؛ إذ يمكن لو كان كذلك أن يكون تلقى من الأعجمي معانيه وألف هو حروفه، وبيان أن هذا الذي تعلمه من غيره نزل به روح القدس من ربك بالحق يدل على أن القرآن جميعه منزل من الرب ـ سبحانه وتعالى ـ لم ينزل معناه دون حروفه.
ومن المعلوم أن من بلَّغ كلام غيره كمن بلَّغ كلام النبي ﷺ أو غيره من الناس، أو أنشد شعر غيره كما لو أنشد منشد قول لَبِيد :
ألا كل شيء ما خلا الله باطل**
أو قول عبد الله بن رواحة، حيث قال :
وهذا الشعر قاله منشئه، لفظه ومعناه، وهو كلامه لا كلام غيره بحركته وصوته ومعناه القائم بنفسه، ثم إذا أنشده المنشد وبلغه عنه علم أنه شعر ذلك المنشئ وكلامه ونظمه وقوله، مع أن هذا الثاني أنشده بحركة نفسه وصوت نفسه، وقام بقلبه من المعنى نظير ما قام بقلب الأول، وليس الصوت المسموع من المنشد هو الصوت المسموع من المنشئ والشعر شعر المنشئ لا شعر المنشد. والمحدث عن النبي /صلى الله عليه وسلم إذا روى قوله :( إنما الأعمال بالنيات ) بلغه بحركته وصوته، مع أن النبي ﷺ تكلم به بحركته وصوته، وليس صوت المبلغ صوت النبي صلى الله عليه وسلم، ولا حركته كحركته، والكلام كلام رسول الله ﷺ لا كلام المبلغ له عنه.


الصفحة التالية
Icon