فإذا كان هذا معلوما معقولا، فكيف لا يعقل أن يكون ما يقرأ القارئ إذا قرأ :﴿ الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ [ الفاتحة : ٢-٤ ] أن يقال : هذا الكلام كلام البارئ، وإن كان الصوت صوت القارئ. فمن ظن أن الأصوات المسموعة من القراء صوت الله فهو ضال مفتر، مخالف لصريح المعقول وصحيح المنقول، قائل قولاً لم يقله أحد من أئمة المسلمين، بل قد أنكر الإمام أحمد وغيره على من قال : لفظي بالقرآن غير مخلوق وبَدَّعُوه، كما جَهَّمُوا [ أي : نسبوه إلى طائفة الجهمية أتباع جهم بن صفوان الضال ]. من قال : لفظي بالقرآن مخلوق. وقالوا : القرآن كلام الله غير مخلوق، كيف تصرف، فكيف من قال : لفظي به قديم أو صوتي به قديم ؟ فابتداع هذا وضلاله أوضح. فمن قال : إن لفظه بالقرآن غير مخلوق أو صوته أو فعله أو شيئًا من ذلك، فهو ضال مبتدع.
وهؤلاء قد يحتجون بقوله :﴿ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ﴾ [ التوبة : ٦ ] ويقولون : هذا كلام الله، وكلام الله غير مخلوق، فهذا غير مخلوق، ونحن لا نسمع /إلا صوت القارئ، وهذا جهل منهم؛ فإن سماع كلام الله، بل وسماع كل كلام، يكون تارة من المتكلم به بلا واسطة، ويكون بواسطة الرسول المبلغ له، قال تعالى :﴿ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء ﴾ [ الشورى : ٥١ ].