ومن قال : إن الله كلمنا بالقرآن كما كلم موسى بن عمران، أو إنا نسمع كلامه كما سمعه موسى بن عمران، فهو من أعظم الناس جهلا وضلالا. ولو قال قائل : إنا نسمع كلام النبي ﷺ كما سمعه الصحابة منه لكان ضلاله واضحًا، فكيف من يقول : أنا أسمع كلام الله منه كما سمعه موسى ؟ ! وإن كان الله كلم موسى تكليمًا بصوت سمعه موسى فليس صوت المخلوقين صوتًا للخالق. وكذلك مناداته لعباده بصوت يسمعه من بَعُد كما يسمعه من قَرُب، وتكلمه بالوحي حتى يسمع أهل السموات والأرض صوته كجر السلسلة على الصفا، وأمثال ذلك ـ مما جاءت به النصوص والآثار ـ كلها ليس فيها أن صفة المخلوق هي صفة الخالق، بل ولا مثلها، بل فيها الدلالة على الفرق بين صفة الخالق وبين صفة المخلوق، فليس كلامه مثل كلامه، ولا معناه مثل معناه، ولا حرفه مثل حرفه، ولا صوته مثل صوته، كما أنه ليس علمه مثل علمه، ولا قدرته مثل قدرته، ولا سمعه مثل سمعه، ولا بصره مثل بصره؛ فإن الله ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله.
ولما استقر في فِطَر الخلق كلهم الفرق بين سماع الكلام من المتكلم به ابتداء وبين سماعه من المبلغ عنه، كان ظهور هذا الفرق في سماع كلام الله من المبلغين عنه أوضح من أن يحتاج إلى الإطناب. وقد بين أئمة السنة والعلم ـ كالإمام أحمد والبخاري صاحب الصحيح في كتابه في خلق الأفعال، وغيرهما من أئمة السنة ـ من الفرق بين صوت الله المسموع منه وصوت العباد بالقرآن وغيره، ما لا يخالفهم فيه أحد من العلماء أهل العقل والدين.