فإن الرؤيا ثلاثة أقسام : رؤيا بشرى من اللّه، ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا مما يحدث به المرء نفسه في اليقظة فيراه في المنام. وقد ثبت هذا التقسيم في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، /ولكن الرؤيا يظهر لكل أحد من الفرق بينها وبين اليقظة ما لا يظهر في غيرها، فكما أن الرؤية تكون مطلقة وتكون مقيدة بواسطة المرآة والماء أو غير ذلك، حتى إن المرئي يختلف باختلاف المرآة، فإذا كانت كبيرة مستديرة رؤى كذلك، وإن كانت صغيرة أو مستطيلة رؤى كذلك، فكذلك في [ السماع ] يفرق بين من سمع كلام غيره منه ومن سمعه بواسطة المبلغ، ففي الموضعين المقصود سماع كلامه، كما أن هناك في الموضعين يقصد رؤية نفس النبي، لكن إذا كان بواسطة اختلف باختلاف الواسطة فيختلف باختلاف أصوات المبلغين، كما يختلف المرئي باختلاف المرايا، قال تعالى :﴿ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ﴾ [ الشورى : ٥١ ].
فجعل التكليم ثلاثة أنواع : الوحي المجرد، والتكليم من وراء حجاب كما كلم موسى ـ عليه السلام ـ والتكليم بواسطة إرسال الرسول كما كلم الرسل بإرسال الملائكة، وكما نبأنا الله من أخبار المنافقين بإرسال محمد ﷺ. والمسلمون متفقون على أن الله أمرهم بما أمرهم به في القرآن، ونهاهم عما نهاهم عنه في القرآن، وأخبرهم بما أخبرهم به في القرآن، فأمره ونهيه وإخباره بواسطة الرسول، فهذا تكليم مقيد بالإرسال، وسماعنا لكلامه سماع مقيد بسماعه من المبلِّغ لا منه، وهذا القرآن كلام الله مبلغًا عنه مؤدىً عنه، وموسى سمع كلامه مسموعًا منه لا مبلغًا /عنه ولا مؤدا عنه، وإذا عرف هذا المعنى زاحت الشبهة.


الصفحة التالية
Icon