والنبي ﷺ يروي عن ربه، ويخبر عن ربه، ويحكى عن ربه، فهذا يذكر ما يذكره عن ربه من كلامه الذي قاله راويا حاكيًا عنه. فلو قال من قال : إن القرآن [ حكاية ] : أن محمدًا حكاه عن الله، كما يقال بلغه عن الله وأداه عن الله، لكان قد قصد معنى صحيحًا، لكن يقصدون ـ ما يقصده القائل بقوله : فلانا يحكي فلانا أي يفعل مثل فعله وهو ـ أنه يتكلم بمثل كلام الله فهذا باطل، قال الله تعالى :﴿ قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾ [ الإسراء : ٨٨ ].
ونكتة الأمر أن العبرة بالحقيقة المقصودة، لا بالوسائل المطلوبة لغيرها، فلما كان مقصود الرائي أن يرى الوجه مثلا فرآه في المرآة حصل مقصوده وقال : رأيت الوجه، وإن كان ذلك بواسطة انعكاس الشعاع في المرآة ـ وكذلك من كان مقصوده أن يسمع القول الذي قاله غيره الذي ألف ألفاظه وقصد معانيه، فإذا سمعه منه أو من غيره حصل هذا المقصود، وإن كان سماعه من غيره هو بواسطة صوت ذلك الغير الذي يختلف باختلاف الصائتين. والقلوب إنما تشير إلى المقصود لا إلى ما ظهر به المقصود، كما في [ الاسم والمسمى ] فإن القائل إذا قال : جاء زيد، وذهب عمرو لم يكن مقصوده إلا الإخبار بالمجيء عن [ المسمى ]، /ولكن بذكر الاسم أظهر ذلك.


الصفحة التالية
Icon