فصل


ولهذا كان أول من أظهر إنكار التكليم والمخالة الجَعْد بن درهم، في أوائل المائة الثانية، وأمر علماء الإسلام ـ كالحسن البصري وغيره ـ / بقتله؛ فضَحَّى به خالد بن عبد الله القسري أمير العراق بـ [ واسط ]. فقال : أيها الناس، ضَحُّوا تقبل الله ضحاياكم، فإني مُضَحٍّ بالجعد بن درهم؛ فإنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا، ولم يكلم موسى تكليمًا ! تعالى الله عما يقول الجعد علوا كبيرًا. ثم نزل فذبحه. وأخذ ذلك عنه الجهم بن صفوان، فأنكر أن يكون الله يتكلم، ثم نافق المسلمين فأقر بلفظ الكلام، وقال : كلامه يخلق في محل كالهواء وورق الشجر.
ودخل بعض أهل الكلام والجدل من المنتسبين إلى الإسلام من المعتزلة ونحوهم إلى بعض مقالة الصابئة والمشركين، متابعة للجعد والجهم. وكان مبدأ ذلك أن الصابئة في [ الخلق ] على قولين : منهم من يقول : إن السموات مخلوقة بعد أن لم تكن، كما أخبرت بذلك الرسل، وكتب الله ـ تعالى ـ ومنهم من ابتدع فقال : بل هي قديمة أزلية، لم تزل موجودة بوجود الأول، واجب الوجود بنفسه، ومنهم من قد ينكر الصانع بالكلية، ولهم مقالات كثيرة الاضطراب في الخلق والبعث، والمبدأ والمعاد؛ لأنهم لم يكونوا معتصمين بحبل الله ـ تعالى ـ فيجمعهم. والظنون لا تجمع الناس في مثل هذه الأمور التي تعجز الآراء عن إدراك حقائقها إلا بوحي من الله ـ تعالى.
وهم إنما يناظر بعضهم بعضًا بالقياس المأخوذ مقدماته من الأمور الطبيعية السفلية، وقوى الطبائع الموجودة في التراب والماء، والهواء / والحيوان، والمعدن والنبات، ويريدون بهذه المقدمات السفلية أن ينالوا معرفة الله وعلم ما فوق السموات، وأول الأمر وآخره؛ وهذا غلط بين اعترف به أساطينهم بأن هذا غير ممكن، وأنهم لا سبيل لهم إلى إدراك اليقين، وأنهم إن يتبعون إلا الظن.


الصفحة التالية
Icon