وأيضًا، فلو كان مخلوقًا في غيره لم يكن كلامه، بل كان يكون كلامًا لذلك المخلوق فيه، وكذلك سائر ما وصف به نفسه من الإرادة والمحبة والمشيئة والرضا والغضب والمقت وغير ذلك من الأمور، لو كان مخلوقًا في غيره لم يكن الرب ـ تعالى ـ متصفًا به، بل كان يكون صفة لذلك المحل؛ فإن المعنى إذا قام بمحل كان صفة لذلك المحل ولم يكن صفة لغيره، فيمتنع أن يكون المخلوق أو الخالق موصوفًا بصفة موجودة قائمة بغيره؛ لأن ذلك فطري، فما وصف به نفسه من الأفعال اللازمة يمتنع أن يوصف الموصوف بأمر لم يقم به، وهذا مبسوط في مواضع أخر.
ولم يقل السلف : إن النبي سمعه من الله ـ تعالى ـ كما يقول ذلك بعض المتأخرين، قال الله تعالى :﴿ لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ ﴾ [ آل عمران : ١٦٤ ] وفي الصحيحين عن ابن مسعود قال : قال لي النبي ﷺ :[ اقرأ علَيَّ القرآن ]. قلت : أقرأ عليك وعليك أنزل ؟ قال :[ إني أحب أن أسمعه من غيري ]. فقرأت عليه سورة النساء، حتى بلغت إلى هذه الآية ﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا ﴾
[ النساء : ٤١ ]. قال :[ حَسْبُكَ ]، فنظرت فإذا عيناه تذْرِفان من البكاء [ [ تذرفان ] : أي تدمعان ].


الصفحة التالية
Icon