وأما السلف وأتباعهم وجمهور العقلاء فالمتكلم المعروف عندهم من قام به الكلام، وتكلم بمشيئته وقدرته. لا يعقل متكلم لم يقم به الكلام، ولا يعقل متكلم بغير مشيئته وقدرته، فكان كل من تينك الطائفتين المبتدعتين أخذت بعض وصف المتكلم؛ المعتزلة أخذوا أنه فاعل، والكلابية أخذوا أنه محل الكلام، ثم زعمت المعتزلة أنه يكون فاعلا للكلام في غيره، وزعموا هم ومن وافقهم من أتباع الكلابية كأبي الحسن /وغيره أن الفاعل لا يقوم به الفعل، وكان هذا مما أنكره السلف وجمهور العقلاء، وقالوا : لا يكون الفاعل إلا من قام به الفعل، وأنه يفرق بين الفاعل والفعل والمفعول، وذكر البخاري في كتاب [ خلق أفعال العباد ] إجماع العلماء على ذلك.
والذين قالوا : إن الفاعل لا يقوم به الفعل، وقالوا مع ذلك : إن الله فاعل أفعال العباد كأبي الحسن وغيره، وأن العبد لم يفعل شيئًا وأن جميع ما يخلقه العبد فعل له، وهم يصفونه بالصفات الفعلية المنفصلة عنه ويقسمون صفاته إلى صفات ذات وصفات أفعال، مع أن الأفعال عندهم هي المفعولات المنفصلة عنه، فلزمهم أن يوصف بما خلقه من الظلم والقبائح مع قولهم : إنه لا يوصف بما خلقه من الكلام وغيره، فكان هذا تناقضًا منهم تسلطت به عليهم المعتزلة. ولما قرروا ما هو من أصول أهل السنة، وهو أن المعنى إذا قام بمحل اشتق له منه اسم ولم يشتق لغيره منه اسم كاسم المتكلم، نقض عليهم المعتزلة ذلك باسم الخالق والعادل، فلم يجيبوا عن النقض بجواب سديد.
وأما السلف والأئمة فأصلهم مطرد، ومما احتجوا به على أن القرآن غير مخلوق ما احتج به الإمام أحمد وغيره من قول النبي ﷺ :( أعوذ بكلمات الله التامات ). قالوا : والمخلوق لا يستعاذ به، فعورضوا بقوله :( أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك /منك )، فطرد السلف والأئمة أصلهم وقالوا : معافاته : فعله القائم به، وأما العافية الموجودة في الناس فهي مفعوله.


الصفحة التالية
Icon