وحدث مع الكلابية ونحوهم طوائف أخرى من الكرامية وغير الكرامية من أهل الفقه. والحديث والكلام فقالوا : إنه ـ سبحانه ـ متكلم بمشيئته وقدرته كلامًا قائمًا بذاته، وهو يتكلم بحروف وأصوات بمشيئته وقدرته، ليتخلصوا بذلك من بدعتي المعتزلة والكلابية، لكن قالوا : إنه لم يكن يمكنه في الأزل أن يتكلم، بل صار الكلام ممكنًا له بعد أن كان ممتنعًا عليه، من غير حدوث سبب أوجب إمكان الكلام وقدرته عليه، وهذا القول مما وافق الكرامية عليه كثير من أهل الكلام والفقه والحديث، لكن ليس من الأئمة الأربعة ونحوهم من أئمة المسلمين من نقل عنه مثل قولهم. وهذا مما شاركوا فيه الجهمية والمعتزلة؛ فإن هؤلاء كلهم يقولون : إنه لم يكن الكلام ممكنًا له في الأزل ثم صار ممكنًا له بعد أن كان ممتنعًا عليه من غير حدوث سبب أوجب إمكانه، لكن الجهمية والمعتزلة يقولون : إنه خلق كلامًا في غيره من غير أن يقوم به كلام؛ لأنه لو قام به كلام بمشيئته وقدرته لقامت به الحوادث، قالوا : ولا تقوم به الحوادث. قالت الجهمية والمعتزلة : لأن الحوادث هي من جملة الصفات التي يسمونها الأعراض، وعندهم لا يقوم به شيء من الصفات، قالوا : لأن الصفات أعراض، والعَرَض لا يقوم إلا بجسم وليس هو بجسم؛ لأن الجسم لا يخلو من الحوادث، وما لا يخلو من الحوادث فهو حادث.
وقالت الكلابية : بل تقوم به الصفات ولا تقوم به الحوادث، ونحن لا نسمى الصفات أعراضًا؛ لأن العرض عندنا لا يبقى زمانين، وصفات الله ـ تعالى ـ باقية. وقالوا : وأما الحوادث فلو قامت به لم يخل منها؛ لأن القابل للشيء لا يخلو منه ومن ضده، وما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث.


الصفحة التالية
Icon