فقال الجمهور المنازعون للطائفتين : أما قول أولئك : أنه لا تقوم به الصفات؛ لأنها أعراض والعَرَض لا يقوم إلا بجسم وليس بجسم، فتسمية ما يقوم بغيره عرضًا اصطلاح حادث، وكذلك تسمية ما يشار إليه جسما اصطلاح حادث أيضًا، و [ الجسم ] في لغة العرب هو البدن وهو الجسد كما قال غير واحد من أهل اللغة، منهم الأصمعي وأبو عمرو، فلفظ الجسم يشبه لفظ الجسد وهو الغليظ الكثيف. والعرب تقول : هذا جسيم، وهذا أجسم من هذا، أي أغلظ منه، قال تعالى :﴿ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ﴾ [ البقرة : ٢٤٧ ]، وقال تعالى :﴿ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ﴾ [ المنافقون : ٤ ]، ثم قد يراد بالجسم نفس الغلظ والكثافة، ويراد به الغليظ الكثيف.
وكذلك النُّظَّار يريدون بلفظ [ الجسم ] تارة المقدار، وقد يسمونه الجسم التعليمي، وتارة يريدون به الشيء المقدر، وهو الجسمي الطبيعي، والمقدار المجرد عن المقدر كالعدد المجرد عن المعدود، وذلك لا يوجد إلا /في الأذهان دون الأعيان. وكذلك السطح والخط والنقطة المجردة عن المحل الذي تقوم به لا يوجد إلا في الذهن. قالوا : وإذا كان هذا معنى الجسم بلغة العرب، فهو أخص من المشار إليه؛ فإن الروح القائمة بنفسها لا يسمونها جسمًا، بل يقولون : خرجت روحه من جسمه، ويقولون : إنه جسم وروح، ولا يسمون الروح جسمًا، ولا النفس الخارج من الإنسان جسمًا، لكن أهل الكلام اصطلحوا على أن كل ما يشار إليه يسمى جسمًا، كما اصطلحوا على أن كل ما يقوم بنفسه يسمى جوهرًا، ثم تنازعوا في أن كل ما يشار إليه هل هو مركب من الجواهر الفردة، أو من المادة والصورة، أو ليس مركبًا لا من هذا ولا من هذا، على أقوال ثلاثة، قد بسطت في غير هذا الموضع؛ ولهذا كان كثير منهم يقولون : الجسم عندنا هو القائم بنفسه، أو هو الموجود لا المركب.


الصفحة التالية
Icon