وحدثت طائفة أخرى من السالمية وغيرهم ـ ممن هو من أهل الكلام والفقه والحديث والتصوف، ومنهم كثير ممن هو ينتسب إلى /مالك والشافعي وأحمد بن حنبل، وكثر هذا في بعض المتأخرين المنتسبين إلى أحمد بن حنبل ـ فقالوا بقول المعتزلة وبقول الكلابية، وافقوا هؤلاء في قولهم : إنه قديم، ووافقوا أولئك في قولهم : إنه حروف وأصوات، وأحدثوا قولاً مبتدعًا ـ كما أحدث غيرهم ـ فقالوا : القرآن قديم، وهو حروف وأصوات قديمة أزلية لازمة لنفس الله ـ تعالى ـ أزلا وأبدًا.
واحتجوا على أنه قديم بحجج الكلابية، وعلى أنه حروف وأصوات بحجج المعتزلة. فلما قيل لهم : الحروف مسبوقة بعضها ببعض، فالباء قبل السين والسين قبل الميم، والقديم لا يسبق بغيره، والصوت لا يتصور بقاؤه فضلا عن قدمه، قالوا : الكلام له وجود وماهية، كقول من فرق بين الوجود والماهية من المعتزلة وغيرهم. قالوا : والكلام له ترتيب في وجوده، وترتيب ماهية الباء للسين بالزمان هي في وجوده وهي مقارنة لها في ماهيتها لم تتقدم عليها بالزمان، وإن كانت متقدمة بالمرتبة كتقدم بعض الحروف المكتوبة على بعض؛ فإن الكاتب قد يكتب آخر المصحف قبل أوله، ومع هذا فإذا كتبه كان أوَّله متقدما بالمرتبة على آخره.


الصفحة التالية
Icon