وخوض الناس وتنازعهم في هذا الباب كثير، قد بسطناه في مواضع، وإنما المقصود هنا ذكر قول مختصر جامع يبين الأقوال السديدة التي دل عليها الكتاب والسنة وكان عليها سلف الأمة في مسألة الكلام، التي حيرت عقول الأنام، والله تعالى أعلم.
سئل شيخ الإسلام مفتى الأنام تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية عن قوم يقولون : كلام الناس وغيرهم قديم ـ سواء كان صدقًا أو كذبًا، فحشًا أو غير فحش، نظمًا أو نثرًا ـ ولا فرق بين كلام الله وكلامهم في القدم إلا من جهة الثواب. وقال قوم منهم ـ بل أكثرهم ـ : أصوات الحمير والكلاب كذلك، ولما قرئ عليهم ما نقل عن الإمام أحمد ردًا على قولهم تأولوا ذلك، وقالوا بأن أحمد إنما قال ذلك خوفًا من الناس.
فهل هؤلاء مصيبون أو مخطئون ؟ وهل على ولي الأمر ـ وفقه الله تعالى ـ زجرهم عن ذلك أم لا ؟ وهل يَكْفُرون بالإصرار على ذلك أم لا ؟ وهل الذي نقل عن أحمد حق كما زعموا أم لا ؟
فأجاب ـ رضي الله عنه :
الحمد لله، بل هؤلاء مخطئون في ذلك خطأ محرمًا بإجماع المسلمين، وقد قالوا منكرًا من القول وزورًا، بل كفرًا ومحالا يجب نهيهم عنه، ويجب على ولاة الأمور عقوبة من لم ينته منهم عن ذلك، جزاءً بما / كسبوا نَكالا من الله؛ فإن هذا القول مخالف للعقل والدين مناقض للكتاب والسنة وإجماع المؤمنين، وهي بدعة شنيعة، لم يقلها أحد قط من علماء المسلمين؛ لا علماء السنة ولا علماء البدعة، ولا يقولها عاقل يفهم ما يقول، ولكن عرض لمن قالها شبهة، ونحن نبينها إن شاء الله ـ تعالى.