ولا يحتاج في مثل هذا الكلام الذي فساده معلوم ببداية العقول أن يحتج له بنقل عن إمام من الأئمة إلا من جهة بيان أن رده وإنكاره منقول عن الأئمة، وأن قائله مخالف للأمة مبتدع في الدين؛ ولتزول بذلك شبهة من يتوهم أن قولهم من لوازم قول أحد من السلف، ويعلم أنهم مخالفون لمذاهب الأئمة المقتدى بهم المعظمين؛ وليتبين أن نقيض قولهم منصوص عن الأئمة المتبعين في السنة، وليس ذلك مما سكتوا عنه نفيًا وإثباتًا.
وأنه لا ريب أن الإمام أحمد بن حنبل، ومن قبله وبعده من الأئمة، نصوا على أن كلام الآدميين مخلوق ـ نصًا مطلقًا ـ بل نص أحمد وكثير من الأئمة على [ أفعال العباد ] عمومًا وعلى [ كلام الآدميين ] خصوصًا، ولم يمتنعوا عن هذا الإطلاق لأجل الشبهة التي عرضت لهؤلاء المبتدعة المخالفين، حتى لا يقول قائل منهم أو من غيرهم : إنه لا يقال : مخلوق ولا غير مخلوق لأجل شبهتهم، أو لكون الكلام في / ذلك بدعة، بل القول بأن كلام الآدميين مخلوق غير قديم، منصوص عن الأئمة المتفق على إمامتهم في الدين والسنة.
فمنهم من نص عليه لما تكلم في [ مسائل القدر ] و [ خلق أفعال العباد ]، ومنهم من نص عليه لما تكلم في [ مسألة تلاوة العباد للقرآن واللفظ به ].
ومنهم من نص عليه محتجًا به على الفرق بين كلام الخالق وكلام المخلوق. فروى أبو بكر أحمد بن محمد بن هارون الخلال ـ وهو الذي جمع نصوص أحمد في أصول الدين وأصول الفقه، وفي أبواب الفقه كلها، وفي الآداب والأخلاق والزهد والرقائق، وفي علل الحديث، وفي التاريخ وغير ذلك من علوم الإسلام ـ روى في [ كتاب السنة ] في الكلام على اللفظية عن أبي بكر بن زنجويه، قال :
سمعت أحمد بن حنبل يقول : من قال : لفظي بالقرآن مخلوق، فهو جهمي، ومن قال : غير مخلوق، فهو مبتدع، لا يكلم.


الصفحة التالية
Icon