وأما المعتزلة، الذين جمعوا التجهم والقدر فأخرجوا عنها ما يتناوله الاسم يقينًا من أفعال الملائكة والجن والإنس والبهائم؛ طاعاتها وغير طاعاتها، وذلك قسط كبير من ملك الله وآياته، بل هي من محاسن ملكه وأعظم آياته ومخلوقاته، وأدخلوا في ذلك كلامه لكونه يسمي [ شيئًا ] في مثل قوله :﴿ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى ﴾ [ الأنعام : ٩١ ]، ولم ينظروا في أن ذلك مثل تسمية علمه [ شيئًا ] في قوله :﴿ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء ﴾ [ البقرة : ٢٥٥ ] وتسمية نفسه [ شيئًا ] في قوله :﴿ قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ ﴾ [ الأنعام : ١٩ ]، وأن قوله :﴿ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ يعم بحسب ما اتصل به من الكلام.
فإن الاسم تتنوع دلالته بحسب قيوده. ففي قوله :﴿ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم ﴾ دخل في ذلك نفسه لأنها تصلح أن تعلم، وفي قوله :﴿ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ دخل في ذلك ما يصلح أن يكون مقدورًا، وذلك يتناول كل ما كانت ذاته ممكنة الوجود، وقد يقال : دخل في ذلك كل ما يسمي شيئًا بمعني [ مشيئًا ]، فإن [ الشيء ] في الأصل مقدر وهو بمعني المشيء، فكل ما يصلح أن يشاء فهو عليه قدير، وإن شئت قلت : قدير علي كل ما يصلح أن يقدر عليه، والممتنع لذاته ليس شيئًا باتفاق العقلاء. وفي قوله :﴿ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ [ الرعد : ١٦ ]، قد علم أن الخالق ليس هو المخلوق، وأنه لا يتناوله الاسم، وإنما دخل فيه كل شيء مخلوق؛ وهي الحادثات جميعها.


الصفحة التالية
Icon