ومن الناس من آمن ببعض ما جاءت به الرسل وكفر ببعض، كمن آمن ببعض المرسلين دون بعض، واليهود والنصارى حيث آمنوا بموسى، أو موسى والمسيح معه دون محمد صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا يخاطب الله في القرآن الأميين الذين لم يتبعوا رسولا وأهل الكتاب المصدقين ببعض الرسل، كما في قوله :﴿ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ ﴾ [ آل عمران : ٢٠ ]، وفي قوله :﴿ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ ﴾ [ البينة : ١ ].
وكمن آمن ببعض صفات الرسالة وكفر ببعض، من الصابئين الفلاسفة ونحوهم؛ الذين قد يقرون بأصل الرسالة، لكن يجعلون الرسول بمنزلة الملك العادل، الذي قد وضع قانونًا لقومه، أو يقولون : إن الرسالة للعامة دون الخاصة، أو في الأمور العملية دون العلمية، أو في الأمور التي يشترك فيها الناس دون الخصائص التي يمتاز بها الكُمَّل، /ويقرون برسالة محمد ﷺ من حيث الجملة، ويعظمونه، ويقولون : اتفق فلاسفة العالم علي أنه لم يرد إلي الأرض ناموس أعظم من ناموسه، لكنهم مع هذا يكفرون ببعض ما جاء به؛ مثل أن يسوغوا اتباع غير دينه من اليهودية والنصرانية، وقد يسوغون الشرك أيضًا للعامة أو للخاصة؛ مثل أن يسوغوا دعوة الكواكب وعبادتها والسجود لها، وقد يكذبون في الباطن بأشياء مما أخبر بها، ويزعمون أن ما أخبر به من أمور الإيمان بالله واليوم الآخر إنما هي أمثال مضروبة لتفهيم العامة ما لا يجوز إظهاره وإبانة حقيقته، وذلك أنهم يجوزون كذبه لمصلحة العامة بزعمهم.


الصفحة التالية
Icon