وليس الغرض هنا تفصيل مقالات الناس فيما يتعلق بسائر الصفات، وإنما المقصود القول في [ رسالة الله، وكلامه ] الذي بلغته رسله، فكان هؤلاء بينهم وبين أهل الوراثة النبوية قدر مشترك بما سلكوه من الطرق الصابئة في أمر الخالق، وأسمائه وصفاته، فصار في مذهبهم في الرسالة تركيب من الوراثتين، لبسوا حق ورثة الأنبياء بباطل ورثة أتباع الصابئة، كما كان في مذهب أهل الكلام المحض المبتدع ـ كالمعتزلة ـ تركيب، وليس بين الأثارة [ الأثارة : بقية الشيء، من علم أو خبر ]. النبوية وبين الأثارة الصابئة، / لكن أولئك أشد اتباعا للأثارة النبوية، وأقرب إلى مذهب أهل السنة من المعتزلة، ونحوهم من وجوه كثيرة.
ولهذا وافقهم في بعض ما ابتدعوه كثير من أهل الفقه، والحديث والتصوف؛ لوجوه :
أحدها : كثرة الحق الذي يقولونه، وظهور الأثارة النبوية عندهم.
الثاني : لبسهم ذلك بمقاييس عقلية بعضها موروث عن الصابئة، وبعضها مما ابتدع في الإسلام، واستيلاء ما في ذلك من الشبهات عليهم، وظنهم أنه لم يمكن التمسك بالأثارة النبوية من أهل العقل والعلم، إلا على هذا الوجه.
الثالث : ضعف الأثارة النبوية الدافعة لهذه الشبهات، والموضحة لسبيل الهدى عندهم.
الرابع : العجز والتفريط الواقع في المنتسبين إلى السنة والحديث؛ تارة يروون ما لا يعلمون صحته، وتارة يكونون كالأميين الذين لا يعلمون الكتاب إلا أماني، ويعرضون عن بيان دلالة الكتاب والسنة على حقائق الأمور.


الصفحة التالية
Icon