وبينا أن ما يثبتونه من العقليات التي هي [ الجواهر العقلية ] المجردة / عن المادة، وهي العقل والنفس، والمادة والصورة التي ليست بجسم ولا عرض، لا حقيقة لها في الخارج، وإنما تقدر في الأذهان، لا في الأعيان، وكذلك ما يثبتونه من الواحد الذي يصفون به واجب الوجود، ومن الواحد الذي يجعلون الأنواع تتركب منه، إنما يوجد في الأذهان لا في الأعيان؛ و [ القياس العقلي ] الذي يحتجون به لابد فيه من قضية كلية.
والقياس نوعان : قياس الشمول وقياس التمثيل.
والناس متنازعون في مسمي [ القياس ]، فقيل : هو حقيقة في التمثيل مجاز في الشمول، كما ذكر ذلك أبو حامد، وأبو محمد المقدسي وغيرهما. وقيل : هو حقيقة في عكس ذلك، كما قاله ابن حزم وغيره من نفاة قياس التمثيل، وقيل : بل اسم القياس يتناولهما، وهذا قول جمهور الناس.
واسم [ القياس العقلي ] يدخل فيه هذا وهذا، لكن من الناس من ظن أن [ قياس التمثيل ] لا يفيد اليقين، ولا يستعمل في العقليات، كما ذهب إليه أبو المعالي، وأبو حامد، والرازي، وأبو محمد، والآمدي، وآخرون من أهل المنطق.
وأما الجمهور فعندهم كلا القياسين سواء، وهذا هو الصواب : فإن مآل القياسين إلي شيء واحد، وإنما يختلف بترتيب / الدليل؛ فإن القائل إذا قال : النبيذ المتنازع فيه حرام؛ لأنه مسكر، فكان حرامًا قياسًا علي خمر العنب، فلابد له أن يثبت أن السكر هو مناط التحريم، وهو الذي يسمي في قياس التمثيل [ مناطًا ] و [ علة ] و [ أمارة ] و [ مشتركًا ] و [ وضعا ] ونحو ذلك.


الصفحة التالية
Icon