وهؤلاء يزعمون أنه لا ينال مطلوب فطري إلا بطريقة القياس الذي لابد فيه من قضية كلية، والقضية الكلية لا تفيد إلا أمرًا كليًا عقليًا، لا تفيد معرفة شيء معين، وكل موجود فهو معين، فكيف يقول عاقل مع هذا : إنه لا ينال علم إلا بهذه الطريق ؟ ! ثم إنهم في ضلالهم يظنون أن علم الأنبياء، بل وعلم الرب ـ سبحانه ـ إنما حصل/ بواسطة القياس المنطقي، وأن النبي له قوة حدسية يظفر بالحد الأوسط في القياس المنطقي بدون معلم، فيكون أكمل من غيره، فيجعلون علمه بالغيب من هذا الباب ولم يدرك بمثل هذا القياس علومًا طبيعية أو حسابية ونحو ذلك، فمن أين أنه لا ينال علم إلا به ؟ ومن أين أنه لا مواد يقينية إلا ما يدعيه المدعي مما عنده من الحدسيات المعتادة الظاهرة والباطنة، والبديهيات المعتادة، والمتواترات، والمجربات المعتادة، والحدسيات المعتادة، والحس الباطن، والظاهر، والتجربة، ونحو ذلك لا يعلم بمجرده إلا أمر معين جزئي، وذلك لا يصلح أن يكون مقدمة في القياس، ولكن يعلم في العموم إما بواسطة قياس تمثيل، وإما بعلم ضروري يحدثه الله في القلب ابتداء، وإذا أحدث علمًا ضروريًا عامًا لأفراد فإحداث العلم ببعض تلك الأفراد سهل، فقل أن يستفاد بطريقهم علم بنتيجة إلا والعلم بالنتيجة فيه ممكن بالطريق الذي به عرفت المقدمات أو أسهل، فلا يكون في قياسهم إلا زيادة تطويل وتهويل وتضليل.