وقد بسطنا الكلام علي [ المنطق اليوناني ] بما فيه من حق وباطل، ونافع وضار، في غير هذا الموضع، ونفي العلم إلا بهذا القياس، ونفي كون القياس يقينيًا إلا بهذه المقدمات قول بلا علم، وتكذيب بما لم يحط المكذب بعلمه ؛ ولهذا كانت الطريقة النبوية السلفية أن يستعمل في العلوم الإلهية [ قياس الأولي ] كما قال الله تعالى :﴿ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [ النحل : ٦٠ ] ؛ إذ لا يدخل الخالق والمخلوق تحت قضية كلية تستوي أفرادها، ولا يتماثلان في شيء من الأشياء، بل يعلم أن كل كمال ـ لا نقص فيه بوجه ـ ثبت للمخلوق فالخالق أولي به، وكل نقص وجب نفيه عن المخلوق فالخالق أولي بنفيه عنه، وأمثال هذه [ الأقيسة العقلية ] التي من نوع الأمثال المضروبة في القرآن، ولله المثل الأعلي، وقد بسطنا هذا في غير هذا الموضع.
فلما كان الكفار بالرسالة علي ما ذكر، جاء في الكفار ببعضها من شاركهم في بعض ذلك؛ فأنكرت الجهمية أن يكون الله يتكلم أو يقول أو يحب أو يبغض، وأنكروا سائر صفاته التي جاءت بها الرسل، فأنكروا بعض حقيقة الرسالة التي هي كلام الله، وأنكروا بعض ما في الرسالة من صفات الله.


الصفحة التالية
Icon