وفي الحقيقة عندهم ما يفيض علي سائر النفوس الصافية من العلوم والكلمات هي ـ أيضًا ـ كلام الله مثل ما أنه كلام الله، لكن هو أشرف وخطابه دل علي أنه رسول الخلق تجب عليهم طاعته، التي أخبرت بها الرسل لكن يطلقون عليه أنه متكلم؛ ولهذا يقولون : إن النبوة مكتسبة، فطمع غير واحد منهم أن يصير نبيًا كما طمع السهروردي وابن سبعين وغيرهما من الملحدين.
وقد بينا أصول أقوالهم وفسادها في غير هذا الموضع، مثل كلامنا علي إبطال قولهم : إن معجزات الأنبياء قوى نفسانية.
وأما المعتزلة ونحوهم، فيوافقونهم في أن الله لا يتكلم في الحقيقة التي يعلم الناس أن صاحبها يتكلم، بل كلامه منفصل عنه، ويزعمون أن ذلك حقيقة، وليس كلامه عندهم إلا أنه خلق في الهواء أو غيره / أصواتًا يسمعها من يشاء من ملائكته وأنبيائه من غير أن يقوم بنفسه كلام لا معني ولا حروف، وهم يتنازعون في ذلك المخلوق : هل هو جسم أو عَرَض، أو لا يوصف بواحد منهما ؟
ولما ظهر هؤلاء تكلم السلف من التابعين وتابيعهم في تكفيرهم والرد عليهم بما هو مشهور عند السلف، واطلع الأئمة الحذاق من العلماء علي أن حقيقة قول هؤلاء هو التعطيل والزندقة، وإن كان عوامهم لا يفهمون ذلك، كما اطلعوا علي أن حقيقة قول القرامطة والإسماعيلية هو التعطيل والزندقة، وإن كان عوامهم إنما يدينون بالرفض، وجرت فتنة الجهمية، كما امتحنت الأئمة، وأقام الإمام أحمد ـ إمام السنة، وصديق الأمة في وقته، وخليفة المرسلين، ووارث النبيين ـ فثبت الله به الإسلام والقرآن، وحفظ به علي الأمة العلم والإيمان، ودفع به أهل الكفر والنفاق والطغيان، الذين آمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعض.


الصفحة التالية
Icon