والجهمية هم نفاة صفات الله، المتبعون للصابئة الضالة. وصارت فروع التجهم تجول في نفوس كثير من الناس، فقال بعض من كان معروفًا بالسنة والحديث : ولا نقول مخلوق، ولا غير مخلوق بل نقف، وباطن أكثرهم موافق للمخلوقية، ولكن كان المؤمنون أشد رهبة في صدورهم من الله.
وطائفة أخري قالت : نقول : كلام الله الذي لم ينزله غير مخلوق، وأما القرآن الذي أنزله علي رسوله وتلاه جبريل ومحمد والمؤمنون فهو مخلوق، وهؤلاء هم [ اللفظية ]. فصارت الأمة تفزع إلي إمامها إذ ذاك، فيقول لهم أحمد : افترقت الجهمية علي ثلاث فرق : فرقة تقول : القرآن مخلوق؛ وفرقة تقول : كلام الله وتسكت، وفرقة تقول : ألفاظنا وتلاوتنا للقرآن مخلوقة. فإن حقيقة قول هؤلاء أن القرآن الذي نزل به جبريل علي قلب رسول الله صلي الله عليه وسلم هو قرآن مخلوق، لم يتكلم الله به، وكان لهؤلاء شبهة كون أفعالنا وأصواتنا مخلوقة، ونحن إنما نقرأه بحركاتنا وأصواتنا، وربما قال بعضهم : ما عندنا إلا ألفاظنا وتلاوتنا، وما في الأرض قرآن إلا هذا، وهذا مخلوق.
فقابلهم قوم أرادوا تقويم السنة فوقعوا في البدعة، وردوا باطلا بباطل، وقابلوا الفاسد بالفاسد، فقالوا : تلاوتنا للقرآن غير مخلوقة، وألفاظنا به غير مخلوقة؛ لأن هذا هو القرآن، والقرآن غير مخلوق، ولم يفرقوا بين الاسم المطلق والاسم المقيد في الدلالة، وبين حال المسمى إذا كان مجردًا، وحاله إذا كان مقرونا مقيدًا. فأنكر الإمام أحمد ـ أيضًا ـ علي من قال : إن تلاوة العباد وقراءتهم وألفاظهم وأصواتهم غير مخلوقة، وأمر بهجران هؤلاء، كما جَهَّم الأولين وبَدَّعَهم. والنقل عنه / بذلك من رواية ابنه عبد الله وصالح والمروزي وفوران وأبي طالب وأبي بكر بن صدقة وخلق كثير من أصحابه وأتباعه.
وقد قام أخص أتباعه ـ أبو بكر المروزي ـ بعد مماته في ذلك، وجمع كلامه، وكلام