وقال الجمهور من جميع الطوائف : إن الكلام اسم للفظ والمعنى جميعًا، كما أن الإنسان المتكلم اسم للروح والجسم جميعًا، وأنه إذا أطلق على أحدهما فبقرينة، وأن معاني الكلام متنوعة ليست منحصرة في العلم والإرادة، كتنوع ألفاظه، وإن كانت المعاني أقرب إلى الاتحاد والاجتماع، والألفاظ أقرب إلى التعدد والتفرق.
والتزم هؤلاء أن حروف القرآن مخلوقة، وإن لم يكن عندهم الذي هو كلام الله مخلوقًا، وفرقوا بين كتاب الله وكلامه، فقالوا : كتاب الله هو الحروف وهو مخلوق، وكلام الله هو معناها غير مخلوق. وهؤلاء والأولون متفقون على خلق القرآن الذي قال الأولون : إنه مخلوق، واختلف هؤلاء أين خلقت هذه الحروف ؟ هل خلقت في الهواء ؟ أو في نفس جبرائيل ؟ أو أن جبرائيل هو الذي أحدثها أو محمد ؟
وأما جمهور الأمة وأهل الحديث والفقه والتصوف فعلى ما جاءت به الرسل، وما جاء عنهم من الكتب والأثارة من العلم، وهم المتبعون للرسالة اتباعًا محضًا، لم يشوبوه بما يخالفه من مقالة الصابئين، وهو أن القرآن كلام الله، لا يجعلون بعضه كلام الله وبعضه ليس كلام الله، والقرآن هو القرآن- الذي يعلم المسلمون أنه القرآن ـ حروفه ومعانيه، والأمر والنهى هو اللفظ والمعنى جميعًا.
ولهذا كان الفقهاء المصنفون في أصول الفقه من جميع الطوائف؛ الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية- إذا لم يخرجوا عن مذاهب الأئمة والفقهاء ـ إذا تكلموا في الأمر والنهي ذكروا ذلك، وخالفوا من قال : إن الأمر هو المعنى المجرد، ويعلم أهل الأثارة النبوية ـ أهل السنة والحديث، عامة المسلمين الذين هم جماهير أهل القبلة ـ أن قوله تعالى :﴿ الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ ﴾ [ البقرة : ١، ٢ ] ونحو ذلك هو كلام الله لا كلام غيره، وكلام الله هو ما تكلم به لا ما خلقه في غيره، ولم يتكلم به.


الصفحة التالية
Icon