وسئل شيخ الإسلام ـ قدس الله روحه ـ عن رجلين تجادلا في [ الأحرف التي أنزلها الله على آدم ] فقال أحدهما : إنها قديمة ليس لها مبتدأ، و شكلها ونقطها محدث. فقال الآخر : ليست بكلام الله وهي مخلوقة بشكلها ونقطها، والقديم هو الله، وكلامه منه بدأ وإليه يعود، منزل غير مخلوق، ولكنه كُتِبَ بها. وسألا : أيهما أصوب قولًا وأصح اعتقادًا ؟
فأجاب :
الحمد لله رب العالمين، أصل هذه المسألة هو معرفة [ كلام الله تعالى ]. ومذهب سلف الأمة وأئمتها من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وسائر أئمة المسلمين ـ كالأئمة الأربعة وغيرهم ـ ما دل عليه الكتاب و السنة، وهو الذي يوافق الأدلة العقلية الصريحة أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، فهو المتكلم بالقرآن والتوراة والإنجيل وغير ذلك من كلامه، ليس ذلك / مخلوقًا منفصلا عنه، وهو ـ سبحانه ـ يتكلم بمشيئته وقدرته، فكلامه قائم بذاته، ليس مخلوقًا بائنًا عنه، وهو يتكلم بمشيئته وقدرته، لم يقل أحد من سلف الأمة : إن كلام الله مخلوق بائن عنه، ولا قال أحد منهم : إن القرآن أو التوراة أو الإنجيل لازمة لذاته أزلا وأبدًا، وهو لا يقدر أن يتكلم بمشيئته وقدرته، ولا قالوا : إن نفس ندائه لموسى أو نفس الكلمة المعينة قديمة أزلية، بل قالوا : لم يزل الله متكلمًا إذا شاء، فكلامه قديم، بمعنى أنه لم يزل متكلمًا إذا شاء.
وكلمات الله لا نهاية لها، كما قال تعالى :﴿ قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا ﴾


الصفحة التالية
Icon