ثم هؤلاء الذين تأولوا كلامه على ذلك منهم من قال : المعنى الذي أنكره أحمد على من قال : لفظي بالقرآن مخلوق كما فعل ذلك الأشعري وأتباعه. ومنهم من قال : بل المعنى الذي أنكره أحمد على من قال : لفظي به غير مخلوق كما فعل ذلك القاضي وابن الزاغوني وأمثالهما؛ فإن أحمد وسائر الأئمة ينكرون أن يكون شيء من كلام الله مخلوقًا، حروفه أو معانيه، أو أن يكون معنى التوراة هو معنى القرآن، وأن كلام الله إذا عبر عنه بالعربية يكون قرآنًا، وإذا عبر عنه بالعبرانية يكون هو التوراة، وينكرون أن يكون القرآن المنزل ليس هو كلام الله، أو أن يطلق / القول على ما هو كلام الله بأنه مخلوق، وأحمد والأئمة ينكرون على من يجعل شيئًا من أفعال العباد أو أصواتهم غير مخلوق؛ فضلا عن أن يكون قديمًا ! وكلام أحمد في [ مسألة التلاوة والإيمان والقرآن ] من نمط واحد، منع إطلاق القول بأن ذلك مخلوق؛ لأنه يتضمن القول بأن من صفات الله ما هو مخلوق، ولما فيه من الذريعة، ومنع أيضًا إطلاق القول بأنه غير مخلوق لما في ذلك من البدعة والضلال.
ولما كان أحمد قد صار هو إمام السنة، كان من جاء بعده ممن ينتسب إلى السنة ينتحله إمامًا، كما ذكر ذلك الأشعري، في [ كتاب الإبانة ] وغيره، فقال : إن قال قائل : قد أنكرتم قول [ الجهمية ] و [ المعتزلة ] و [ الخوارج ] و [ الروافض ] و [ المرجئة ] فعرفونا قولكم الذي به تقولون، وديانتكم التي بها تدينون.
قيل له : قولنا الذي نقول به وديانتنا التي ندين بها : التمسك بكتاب ربنا وسنة نبينا، وما روى عن الصحابة والتابعين، وبما كان يقول به أبو عبد الله أحمد بن حنبل قائلون، ولما خالفه مجانبون، فإنه الإمام الكامل، والرئيس الفاضل، الذي أبان الله به الحق، وأوضح به المنهاج، وقمع به بدع المبتدعين، وزيغ الزائغين، وشك الشاكين. وذكر جملا من المقالات.


الصفحة التالية
Icon